أكد وزير العدل حافظ الاختام محمد شرفي يوم الخميس بالجزائر العاصمة أن التعديل المدخل على قانون العقوبات وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته "ضيق مجال تجريم فعل التسيير دون الافلات من العقاب". و أوضح شرفي خلال رد على أسئلة شفوية بمجلس الأمة أن رفع التجريم عن فعل التسيير طبقا لما تم اعتماده في القانونين السالفي الذكر لم يقصد به حذف تجريم هذه الأفعال وتكريس اللاعقاب وإنما تضييق مجال هذه الجرائم وتدقيق عناصرها. حيث مكن هذا التعديل —يضيف الوزير— من التمييز بين الأفعال التي تقتضيها مخاطر التسيير والأفعال التي تشكل جرائم تقتضي الحيلولة دون إفلات مرتكبيها من العقاب وبالتالي التوفيق بين توفير ظروف قيام المسيرين العموميين لمهامهم في "كنف الطمأنينة والثقة" وبين "المحافظة على المال العام من الهدر والضياع". و أبرز شرفي أنه رغم قيام المشرع في وقت سابق برفع التجريم عن التسيير من قانون العقوبات ومراجعته لعناصر بعض الجرائم الواردة فيه إلا أن البعض الآخر منها بقي يشكل "عائقا" أمام المسيرين ويثبط من عزيمتهم وإرادتهم في اتخاذ القرار المناسب والملائم لأسس ومبادئ تسيير المؤسسات الاقتصادية وما تتطلبه في القائمين على تسييرها من روح للمبادرة وإقدام على المخاطرة كلما دعت إلى ذلك الحاجة. و أضاف الوزير أنه بهدف تبديد هذه المخاوف ومساعدة هؤلاء على القيام بعملهم في جو تسوده الطمأنينة بما يتلاءم مع طبيعة مهام التسيير وتطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية تم تشكيل فوج عمل تحت إشراف وزارة العدل يتشكل من ممثلي عدة قطاعات وزارية علاوة على محامين وقضاة ومسيرين وممثلي نقابات رجال الأعمال وبنوك وغيرهم من المختصين في هذا المجال. و أوصى هذا الفوج بعد تفحصه لمختلف القوانين السارية المفعول—يضيف الوزير— بضرورة تعديل كل من قانون العقوبات وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته. حيث أن تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 11/14 المؤرخ في 2 أوت 2011 جاء في إطار رفع التجريم عن فعل التسيير وفقا لما انتهى إليه فوج العمل السالف الذكر واستبعاد مخاطره المعقولة من المتابعة الجزائية ضمانا لنجاعة واستقرار المؤسسات الاقتصادية العمومية وزرع الطمأنينة في نفوس القائمين على تسييرها باعتبارها عاملا ضروريا لانبعاث روح المبادرة والابتكار لديهم دون هاجس الخوف من أي ملاحقة أو عقاب. و أضاف الوزير أنه تمت مراجعة قانون العقوبات في مادته 119 مكرر التي تجرم وتعاقب على الإهمال الواضح الذي يتسبب به الموظف العمومي في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها . و ذكر المسؤول بتعديل القانون رقم 11-15 المؤرخ في 2 أوت 2011 القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 والمتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في المادة 26 التي كانت تنص على معاقبة كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر أو يرجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير. كانت هذه المادة —يوضح شرفي— تعتبر خرق أي حكم من أحكامها عنصرا ماديا للجريمة المعاقب عليها بمقتضاها ومجرد غرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير عنصرا معنويا لهذه الجريمة. و أوضح شرفي أنه نتيجة لحكم المادة 26 المشار إليها أعلاه فإن جميع المتدخلين في مجال إبرام الصفقات لاسيما المطالبين بالتأشير عليها وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قضاء أوقات طويلة للتدقيق فيما يقومون به من أعمال الرقابة على مدى احترام هذه الصفقات لكل الإجراءات المنصوص عليها قانونا مما أدى إلى تعطيل عدد كبير من المشاريع سيما الهامة ذات البعد الإستراتيجي. و قال أنه نظرا لهذه الاعتبارات فإن التعديل المدخل عليها ضيق مجال تطبيقها وذلك كشكل من أشكال رفع التجريم عن طريق حصر التجريم بمقتضاها في مخالفة الإجراءات المتعلقة بشفافية الترشح للصفقات والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات وهي الإجراءات والقواعد التي تكرسها المادة 9 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته وكذلك الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد المصادق عليها من قبل الجزائر. كما ذكر المسؤول أنه تمت مراجعة صياغة المادة 29 من القانون رقم 06-01 السالف الذكر التي تعاقب الموظف العمومي الذي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لمصلحته أو لصالح شخص أو كيان آخر أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها. وذلك لأن الصياغة القديمة لهذه المادة —يوضح شرفي— فضلا عن احتمالها لعدة تفسيرات بخصوص مفهوم فعل التبديد الوارد ضمنها من بين الأفعال المجرمة بموجبها فإن المتابعة الجزائية تترتب بمقتضاها حتى عن فعل التسيير الذي يقوم به الموظف العمومي في إطار مخاطر التسيير. و أكد الوزير أنه في هذه الحالة لابد من تدقيق الركن المعنوي لهذه الجريمة وتمييز "فعل التبديد" المجرم والمعاقب عليه بمقتضى هذا القانون عن أعمال المخاطرة المعقولة والمعتادة في التسيير. وفيما يتعلق بمدى إسهام القانونين السالفي الذكر في رفع التجريم عن فعل التسيير وتبديد مخاوف الإطارات المسيرة قال شرفي أن هذا التقييم "سابق لأوانه" مبرزا انه لا يمكن الحديث عن تقييم تطبيق هذين القانونين لأن فترة سريانهما التي لم تتعد السنة و هي فترة وجيزة "لا تكفي لتقييمهما لمعرفة إلى أي مدى ساهما في رفع التجريم عن فعل التسيير لأن تطبيقاتهما القضائية لازالت حديثة ومعظم القضايا الجزائية التي تمت معالجتها وفقا لهذا التعديل لازالت في مرحلة التحريات الأولية أو التحقيق القضائي. و أضاف أن الفترة الزمنية القليلة التي طبقت فيها هاتين المادتين لم تسمح بعد ب"استقرار الاجتهاد القضائي وصدور أحكام نهائية وقرارات تبرز موقف المحكمة العليا من القانونين باعتبارها "الجهة التي تسهر على توحيد الاجتهاد القضائي في بلادنا بالنسبة للجهات القضائية العادية ولم يتسن حتى لرجال القانون من قضاة ومحامين وكذلك الإطارات العاملة بهذا التشريع والمخاطبين به من تقييمه". يتعين القول بأن التقييم الموضوعي لأي نص قانوني يقتضي متابعة تطبيقه خلال فترة زمنية معقولة فإذا ما تبين بعد ذلك أن هذين القانونين بحاجة إلى المراجعة أو التدعيم فإنه سوف يتم التكفل بذلك في حينه سواء عن طريق تعديلهما أو عن طريق اتخاذ إجراءات أخرى تقتضيها الظروف.