يجمع آخر من تبقى على قيد الحياة من رفقاء الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد عشية إحياء مئوية ميلاد الشهيد على أنه "شخصية فذة و بطل لا مثيل له". فبالنسبة للذين عرفوه عن قرب ومنهم المجاهد عمار بلعقون الذي كان رفيق شبابه وأيضا نضاله ضد المستعمر فإن سي مصطفى المنحدر من عائلة ميسورة الحال لم يفكر أبدا في ثروته ولا في عائلته و اختار عن طواعية النضال من أجل تحرير الوطن. و لم يخف هذا المجاهد الذي فاق عمره ال 92 سنة شغف بن بولعيد بحب الجزائر وأبناء شعبه فأحبه -كما قال- سكان منطقة آريس وما جاورها لتواضعه الشديد مضيفا في شهادته بأنه ظل حتى بعد أن أصبح مسؤولا في الثورة التحريرية يعتبر نفسه جنديا بسيطا وسط المجاهدين . وذكر المجاهد بلعقون لوأج بأن حاكم آريس وقتها و اسمه فابييه كان "يكرهنا لأننا كنا من جماعة حزب الشعب الجزائري" كما أن الإدارة الاستعمارية حاولت التضييق على بن بولعيد بوضع منافس له من العملاء على خط آريس - باتنة إلا أن السكان كانوا يركبون في حافلات بن بولعيد وتبقى الأخرى فارغة ذهابا وإيابا. وعاد هذا المجاهد بذاكرته إلى أربعينيات القرن الماضي حين رافق بن بولعيد إلى نقاوس لبيع حافلاته وكانت تعمل على خط باتنة - آريس لتوفير المال تحضيرا للثورة وأيضا في جمع الاشتراكات من المناضلين بفرنسا وبعدها التردد على سوق زريبة الوادي لشراء مخلفات الحرب العالمية الثانية من الخراطيش التي قال المتحدث بأنها كانت تباع بالربعي وهو ما يفوق بقليل 3 كلغ وتدريجيا حول استعمالها المفرط في الأعراس إلى المخابئ التي حضرها بآريس وايشمول لليوم الموعود . بن بولعيد كان نزيها و وطنيا من جهته يرى المجاهد أحمد قادة أصغر لصوص الشرف بالأوراس و آخر من بقى منهم على قيد الحياة أن نزاهة بن بولعيد و وطنيته هي التي جعلت من كانت فرنسا تصفهم ب"الخارجين عن القانون الفرنسي" وقتها وكنت واحدا منهم ينضمون إليه رغم أن حاكم آريس أرسل في سنة 1948 للحسين برحايل وهو المسؤول عن المجموعة أنه سيصفح عنه مع رجاله إذا ما قتل بن بولعيد. ففابييه كان خائفا من بن بولعيد ويريد بقتله القضاء على الحركة الوطنية بالأوراس لكن يضيف قادة "رتبنا لقاء مع سي مصطفى بواسطة المناضل مصطفى عايسي وكنت ليلتها مع برحايل الذي أخبر بن بولعيد عن رسالة الحاكم لأشهد على العهد الذي قطعه حسين لسي مصطفى بأن يكون مع رجاله تحت تصرفه وبالفعل من تلك اللحظة كان بن بولعيد يلجأ إلينا لتهديد بعض الخونة والمتعاملين مع العدو ". بن بولعيد وحد أعراش الجهة وجعلها خلفية لإيواء الفارين من أعضاء المنظمة السرية و أكدت المجاهدة مناعي عربية أرملة الشهيد محمود بن عكشة الكاتب السياسي لابن بولعيد ذات ال 87 سنة بأن سي مصطفى وحد أعراش الجهة وجعلها خلفية لإيواء الفارين من أعضاء المنظمة السرية منهم رابح بيطاط وآيت أحمد وعمار بن عودة وكذا لخضر بن طوبال الذي بقى في منزلنا بآريس 18 شهرا". وقالت عربية "إن الاحترام الذي كان يحظى به بن بولعيد لدى سكان المنطقة ولاسيما الأعيان جعل كلمته لا ترد" مذكرة كيف كلف هذا البطل زوجها الشهيد بن عكشة الذي كان يشتغل إداريا لدى حاكم آريس آنذاك بمهمة تزوير بطاقات التعريف لفائدة أعضاء المنظمة السرية ومناضلين آخرين فارين من العدو إلى غاية انكشاف أمره ودخوله السجن في سنة 1953 . كما يتذكر المجاهد عمار بن شايبة المدعو علي الذي كان شاهدا على لقاء توزيع الأسلحة وتعيين الأفواج بدشرة أولاد موسى ليلة الفاتح نوفمبر والناجي بأعجوبة من حادثة اغتيال بن بولعيد بجهاز المذياع الملغم أن سي مصطفى أمر بأن كل من يدخل المنزل الذي عقد به الاجتماع لا يخرج إلا بأمر منه . وترأس الاجتماع يضيف المتحدث بن بولعيد بحضور عاجل عجول وشيحاني بشير وعباس لغرور ومصطفى بوستة وآخرون حيث عين سي مصطفى قادة الأفواج وأماكن تنفيذ العمليات و كلف أحمد نواورة بمنطقة آريس وقرين بلقاسم باتنة ومروانة وحسين برحايل بسكرة ولغرور عباس خنشلة والطاهر نويشي عين لقصر . من جهته قال المجاهد محمد بيوش الذي تعدى عمره ال 90 سنة بتأثر كبير "قبل أن نتوجه إلى الهدف المحدد لنا ليلة الفاتح نوفمبر رددنا مع بن بولعيد عبارة ما زلت أتذكرها جيدا ( عهد ربي لا نتراجع ولا نرجع إلى الوراء حتى نحرر الجزائر أو نموت) وعرفنا بعد ذلك أن كل فوج رددها وراء بن بولعيد كميثاق غليظ للمضي في طريق الجهاد". كما يتذكر المجاهد محمد بزيان الذي قارب سنه 100 عام بدقة تفاصيل هروب بن بولعيد الأسطوري من سجن الكدية بقسنطينة فهو أحد الشاهدين على تلك العملية. وقال المتحدث ل/وأج "التقيت بن بولعيد في زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام بسجن الكدية بعد أن ألقي القبض علي وبعض رفاقي في ديسمبر 1954 بعد تفجيرنا ليلة الفاتح نوفمبر للجسر الرابط بين لقصر وتكوت والهجوم على جندرمة المدينة كان واثقا من نفسه وقال لنا لا بد أن يستمر جهادنا حتى ونحن في السجن ." أما قضية الهروب يردف بزيان "فقد جمعنا بن بولعيد وطرح لنا الفكرة طالبا من كل واحد منا إعطاء رأيه قائلا "لنا كلنا هنا مسؤولين وبن بولعيد واحد منكم وجاء الاقتراح من سجين معنا اسمه حجوج بشير من الخروب الذي أخبر سي مصطفى بأنه دخل هذا السجن من قبل ويعرف بعضا من خباياه". وأضاف "قال لنا حجوج بأن السبيل الوحيد للهروب هو حفر نفق في الزنزانة يؤدي إلى الغرفة المجاورة وهي مخزن لا يفتح إلا من حين لآخر ويؤدي بابه الخشبي إلى فناء ينتهي بحائط يطل هو الآخر على حائط يطل على ممر للراجلين". وتمت الموافقة على الاقتراح بالإجماع ثم "قال لنا سي مصطفى سيذكرنا التاريخ مهما كانت النتيجة وهو ما حفزنا لإنجاح الهروب الذي دوخ المستعمر و والله أن إيماننا بالله والوطن هو سلاحنا الوحيد" قالها بزيان وهو يذرف الدموع. أما عن استشهاد مصطفى بن بولعيد بعد ذلك في 22 مارس 1956 بجبل لزرق فقال المجاهد عمار بلعقون لوأج "هي الحادثة التي سأظل أتذكرها ما حييت لأنها كانت فاجعة لنا جميعا نحن مجاهدو وإطارات الناحية الغربية من الأوراس الذين كانوا حاضرين بالمكان". وقال المتحدث باكيا: "مرت لحظات قليلة على صلاة المغرب لما سمعنا دويا هائلا في البيت الذي كان يعقد فيه بن بولعيد اجتماعه ولما هرعنا للمكان وجدناه حطاما ومن كانوا معه محمود بن عكشة وعلي بعزي وعبد الحميد عمراني وأحمد القبايلي واسمه فضيل الجيلاني جثثا هامدة". وأضاف: "بعد أن أخرجنا الجثث قررنا دفنها بعين المكان وفي صبيحة الغد اجتمعنا نحن المسؤولين الحاضرين وقررنا نقل الجرحى إلى منطقة بني فرح بضواحي عين التوتة لنفترق على عهد أن نبقي خبر استشهاد بن بولعيد سرا حتى لا تفشل الثورة". ظل المجاهد بلعقون يكرر: "بن بولعيد لم نر مثله من الرجال".