أعرب رؤساء المجموعات البرلمانية للأحزاب السياسية الأربعة صاحبة الأغلبية, خلال تدخلاتهم يوم الثلاثاء في إطار مناقشة مخطط عمل الحكومة الذي سيعرض على المصادقة يوم الخميس المقبل, عن تأييدهم للوثيقة التي عرضها الوزير الأول يوم الأحد الماضي, فيما انقسم ممثلو أحزاب المعارضة بين رافض للمخطط ومتحفظ ومترقب. و في هذا الإطار, فضّل سعيد لخضاري رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني (161 مقعد), في مستهل مداخلته التوجه إلى من أبدوا على مدار ثلاثة ايام من المناقشة استغرابهم من تغيير الحكومة في ظرف لا يتجاوز الثلاثة أشهر, جاعلين من ذلك مؤشرا على عدم جدية السلطة في تقييم الوضع الحقيقي للبلاد و غياب الإرادة في إيجاد الحلول للأزمة التي تمر بها, مع تصنيف ذلك في خانة الأدلة التي تبرهن على أن رئيس الجمهورية "لا يمارس مهامه", حيث قال في ردة معاكسة "تدخل رئيس الجمهورية بحزم لتغيير الحكومة السابقة بعد تسجيل انحرافات في عملها و بالتالي إعادة الأمور إلى نصابها لخير دليل على أنه يتابع الوضع". و بنفس اللهجة, اعتبر السيد لخضاري أنه يبقى "من غير المعقول أن تستمر المعارضة التي تعتبر الأقلية في محاولتها لحرمان الشعب من مجرد الأمل", مضيفا في ذات السياق "صحيح أنه آن الأوان اليوم لرحيل البعض لكن المعنيين بذلك هم من لم يصّوت لصالحهم الشعب خلال الاستحقاقات السابقة", ليختتم رده بهذا الخصوص باقتراح تهكمي يقضي بإنشاء "لجنة عليا لضمان نجاح المعارضة في الانتخابات". و في معرض تحليله للأزمة التي تمر بها الجزائر, أكد رئيس المجموعة البرلمانية للحزب العتيد على ان المخطط المعروض أمام نواب الشعب كفيل بتمكين البلاد من تجاوزها, من خلال إشراك كل الطاقات و تكاثف كل الجهود, ف"الظروف التي تمر بها البلاد اليوم استثنائية تستدعي المصارحة دون تهويل و المكاشفة دون فضح", مثلما قال. و على نفس المنوال, جدد التجمع الوطني الديمقراطي (100 مقعد) على لسان رئيس مجموعته البرلمانية بلعباس بلعباس الموقف "الثابت" لحزبه تجاه برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة و الذي يأتي مشروع مخطط الحكومة لتنفيذه ميدانيا مع مواصلة الجهد لتجسيد برنامجه الانتخابي الذي "أضحى برنامج الأمة". كما توقف السيد بلعباس مطولا عند من أسماهم ب"مروجي خطاب التخويف و التهويل", متوجها إليهم بالقول "كفاكم الظن بأنكم تمتلكون لوحدكم الوطنية و الحقيقة", ليضيف بأن أحسن رد على هؤلاء هو الإنجازات التي شهدتها الجزائر منذ سنة 1999 , تاريخ قدوم الرئيس بوتفليقة لسدة الحكم, و هو ما يجعل من الإصرار على قول عكس ذلك "مكابرة لا مبرر لها". و ذّكر رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع بأن المخطط يأتي في جو تطبعه الإرادة القوية في تكريس الأمن و الاستقرار مع مصارحة الشعب بالحقيقة كاملة, ليشدد مرة أخرى على دعم تشكيلته السياسية "اللامشروط" للحكومة التي "أبدت بما لا شك فيه عن حسها الوطني". و عن الحركة الشعبية الجزائرية (13 مقعد) سجل رئيس مجموعتها البرلمانية, الحاج الشيخ بربارة, دعم حزبه للحكومة في البرنامج الرئاسي الذي تعد حليفة فيه, مثمنا جعل الجهاز التنفيذي لعنصري الأمن و الاستقرار على رأس أولوياته. كما دعا في ذات الصدد إلى التوقف عن محاولة إعطاء الدروس للشعب الجزائري الذي "يعرف أكثر من أي كان معنى و قيمة الأمن و الاستقرار" و دورهما في تكريس مسار التنمية. و بدوره أكد مصطفى مواسة, رئيس المجموعة البرلمانية لتجمع أمل الجزائر (20 مقعد) على دعم حزبه لما يتضمنه المخطط الذي "كشف عن الكثير من المخاطر التي تحيق بالاقتصاد الوطني, عن طريق انتهاج لغة الصراحة و الابتعاد عن الزيف في مخاطبة المواطنين", يضاف إلى كل ذلك انطواءه على "إرادة حقيقية لوضع اليد على الحلول المناسبة و توجه صائب في التعامل مع الوضع الاقتصادي و الاجتماعي الذي تمر به الجزائر". و في هذا المنحىّ, توقف المتدخل عند ضرورة الاستمرار في هذا النهج التواصلي مع الشعب, "خاصة في ظل حملات التشويه المغرضة التي تحاول جاهدة الاستثمار في كل نقص أو خلل مهما صغر" مع توحيد الصفوف لتجاوز الأزمة من خلال تسخير كل القوى الحية التي تزخر بها البلاد. أما لمين عصماني, رئيس المجموعة البرلمانية للنواب الأحرار, فقد استغل الفرصة للتوجه إلى الوزير الأول أحمد أويحيي لتذكيره ب''الثقل" الذي تمثله كتلة الأحرار عندما يتعلق الأمر بالقرارات المصيرية التي تصب في صالح البلاد و دعمهم لكل ما من شأنه التمكين من تجاوز الوضع الصعب الذي تعرفه الجزائر, في إشارة ضمنية, حملت طابع العتاب, إلى عدم إشراكهم في اللقاء الذي ضم السيد أويحيي بأحزاب الأغلبية أياما قبل عرض مشروع مخطط الحكومة على البرلمان. و بخصوص مخطط عمل الحكومة, ذّكر السيد عصماني بأن "الاستثمار في الانسان هو الدافع الأساسي في كل عمل حكومي و المحدد لنجاحه", مشيدا في ذات السياق بالمبادرات الجديدة التي تضمنها المخطط نحو المجتمع بشتى شرائحه و التي تأتي من أجل "تعزيز عنصر الثقة التي تقوم على امتصاص أسباب التشنج التي قد تزيد من حدة الأزمة",و هو ما يعني --من وجهة نظره--أن "عدم إدراك هذه الحقيقية سيؤدي لا محالة إلى تعقد الوضع". كما دعا من جانب آخر إلى الابتعاد عن الجدال العقيم عندما يتعلق الأمر بمقومات الهوية الوطنية التي تعد "الضامن الاساسي لاستمرار الأمة الجزائرية". و على صعيد آخر, لفت رئيس المجموعة البرلمانية لتحالف حركة مجتمع السلم, (34 مقعد) ناصر حمدادوش إلى أنه و على الرغم من تأكيد السلطة و في كل مرة على أهمية الحوار إلا أنه "لم تتوفر بعد الإرادة لإرساء حوار حقيقي من أجل تحقيق توافق سياسي", معربا عن رفضه في المشاركة في "إلهاء الرأي العام", ليضيف "نحن مع الحوار من حيث المبدأ لكن شريطة ان يكون حوارا شاملا مع الجميع". أما فيما يتعلق بمخطط عمل الحكومة, فيرى السيد حمدادوش بأن تسيير الأزمة متعددة الأبعاد التي تعرفها البلاد يعد "فاشلا", و هو ما أرجعه في الاساس إلى "التدخل الأجنبي في القرارات السياسية و الاقتصادية للبلاد". و بالمناسبة, عرج المتدخل على الانتخابات المحلية المقبلة, و التي اعتبرها "أكبر امتحان سيواجه الوزير الأول خلال عهدته الحالية", مرتكزا في ذلك على كون "أكبر مظهر من مظاهر الفساد منذ الاستقلال هو التزوير", على حد قوله. و من جهته, أعرب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة القوى الاشتراكية شافع بوعيش, عن رفض تشكيلته السياسية لمخطط عمل الحكومة الذي اعتبره مجرد "ترقيع تقترحه الحكومة للخروج من الأزمة", معتبرا أن هذه الأزمة هي "سياسية" في المقام الأول, منتقدا "عدم استقرار القرار السياسي الذي مرده التغييرات الكثيرة" التي شهدها الجهاز التنفيذي في الفترة الأخيرة. وأضاف السيد بوعيش, أن "الاعتقاد بأن مخطط الحكومة سيساهم في حل الأزمة هو استخفاف بخطورة الوضع الحالي", معتبرا أن "الأزمة حقيقية وتتطلب حلولا حقيقية" منتقدا "أصحاب النظرة التبسيطية الذين يرون الحل في رحيل رئيس الجمهورية". وجدد مطلب تشكيلته السياسية التي تحوز على 14 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني (مناصفة مع جبهة المستقبل), بضرورة تحقيق إجماع وطني تشارك فيه كل القوى السياسية وفعاليات المجتمع. وفي تدخله, أعلن رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة المستقبل الحاج بلغوتي, عن امتناع تشكيلته السياسية عن التصويت على المخطط الذي قال أنه "لا يحتوي على تقييم رقمي للوضع الحالي أو على أهداف محددة", معتبرا ان الحكومة "لم تتخذ الإجراءات الجريئة التي تقتضيها الأزمة الحالية". ويرى المتحدث ان مخطط العمل "حامل لعدة تناقضات" مع دعوات السلطات العليا لتكاثف الجهود وتوحيد الصفوف من جهة, و"لاختلافه الكبير مع مخطط الحكومة السابقة من حيث التصور والفحوى والفلسفة رغم أنهما مستمدان من برنامج رئيس الجمهورية". وأضاف السيد بلغوتي, أن الحلول المقترحة في مخطط عمل الحكومة "ليست دواء للأزمة بل مجرد مسكنات دورها التهدئة لفترة معينة". ومن جهته, يترقب حزب العمال رد الوزير الأول أحمد أويحيى من أجل البت في قراره خلال جلسة التصويت, غير أن السيد جلول جودي رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الممثل ب11 نائبا في الغرفة السفلى للبرلمان, وازن بين انتقاد مضامين مخطط عمل الحكومة والإنجازات الميدانية التي تطرق إليها. ومن هذا المنطلق أشاد السيد جودي بالقرارات السيادية التي "جنبت الجزائر ويلات الربيع العربي من خلال محافظتها على استقلاليتها المالية", داعيا الحكومة الحالية إلى "فتح نقاش واسع وحقيقي لتجنيب الجزائر أي مكروه قد يحدث في المستقبل", وإلى الابتعاد عن "اتخاذ أي قرارات قد تكون سببا في عدم الاستقرار", موضحا أن الخلاص من الأزمة التي تعيشها البلاد يكمن في "تأسيس ديمقراطية حقيقية مبنية على مؤسسات سيدة ومنتخبة من طرف الشعب. وفي حديثه عن تفاصيل المخطط, حذر المسؤول الحزبي من إعادة إدراج قانون الصحة الذي "يعتبر مصدر قلق بالنسبة لممارسي القطاع والمواطنين ويهدد بالقضاء على المنظومة الصحية في الجزائر", كما تساءل عن جدوى قانون العمل الجديد, ودعا إلى إصدار قوانين جديدة تعزز استقلالية القضاء والمتعلقة بحرية التجمهر وحرية التعبير. أما رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء لخضر بن خلاف, فقد برر الموقف الرافض لمخطط العمل من طرف التحالف الحزبي الذي يمثله في المجلس 15 نائبا, ب"افتقار هذا المخطط للأهداف القابلة للقياس وآجال التنفيذ المحددة", معتبرا أن الحلول المقترحة فيه "تم وضعها للتعايش مع الأزمة باستعمال مسكنات سيكشف عيبها بعد فترة من الزمن". وقال السيد بن خلاف أن "الحكومة الحالية جاءت في ظروف صعبة, غير أن هذا لا يبرر أن يكون المخطط مجرد إظهار للنوايا الحسنة", مطالبا ب"إجراءات ملموسة" لمواجهة الأزمة, ومنتقدا "غياب" آليات محاربة الفساد وضمانات الحكومة لحماية المال العام, في ذات المخطط.