أثرت التطورات الأخيرة في العراق على الصعيدين السياسي والعسكري على المشهد العام في البلاد لاسيما بعد تراجع نفوذ تنظيم "داعش" الإرهابي وتمكن الجيش العراقي من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد و تسجيل ليونة في الموقف فيما يتعلق بمشروع انفصال إقليم كردستان. و قد اتضح تفوق الطرح الحكومي اكثر بعد التمسك بوحدة العراقي و ظهور بوادر لفتح حوار من أجل حل عقد الملفات الحرجة و المفخخة و تجاوز الأزمة التي كانت تحدق بالتراب و الشعب العراقيين. ودعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة للأزمة الراهنة بعد بروز مواجهات بين القوات العراقية والكردية في المناطق المتنازع عليها في أعقاب إجراء استفتاء الانفصالي مشددا على "أهمية الحوار لنبذ التفرقة بين أبناء الوطن الواحد"ي كما دعا رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري العراقيين للتأسيس لثقافة الوحدة وتفكيك "الملفات المفخخة" في الوقت الذي يمر فيه البلد بمفصل حرج يتطلب من السياسيين جهدا للحوار والتفاهم. وفي ظل استمرار مقاطعة النواب الأكراد لجلسات البرلماني طالب رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري الاعضاء الاكراد بإنهاء مقاطعتهم لجلسات البرلمان والشروع في حوار حقيقي لتجاوز الازمة الحالية. وشدد الجبوريي على ضرورة إيجاد مخرج يفضي الى حلول تعيد الثقة بين الشركاء وتمنع اتساع فجوة الخلاف بينهم مشيرا الى ان العراق يمر بمرحلة غاية في الحساسية والخطورة ولابد من الإسراع في انتهاز فرص الحل الداخلي عبر الحوار. وفرضت القوات العراقية سيطرتها الكاملة على محافظة كركوك (250 كلم) شمال بغداد ومنشآتها النفطية والتي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية منذ 2014 استجابة لقرار البرلمان العراقي بنشر القوات العراقية في المناطق المتنازع عليها ردا على استفتاء الانفصال الذي أجراه الاقليم في 25 سبتمبر الماضي. وأسفرت الأزمة عن نزوح نحو 120 ألف كردي من مدينة كركوك التي يقطنها خليط من الأكراد والتركمان والعرب وقوميات أخرىي وتحوز على مخزون نفطي هامي إذ تنتج نحو 40 بالمائة من إجمالي النفط العراقي و70 بالمائة من الغاز الطبيعي ما جعلها محل توتر مستمر بين الحكومة المركزية في بغداد وأربيل. ورحبت حكومة اقليم كردستاني بدعوة رئيس الحكومة المركزية العراقية حيدر العبادي لإجراء حوار تحت سقف الدستور العراقي ما يعني وجود بوادر على انفراج الأزمة بين بغداد واربيل خصوصا وأن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في كردستاني كانت قد أعلنت تعليق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للإقليم بعد رفض حكومة بغداد للاستفتاء واستعادتها للمناطق المتنازع عليها بينها حقول النفط. وفي السياق ذاته أصرت حكومة كردستان على أن يكون الحوار تحت سقف الدستور و"دون شروط مسبقة"ي بينما أكد المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي أن المفاوضات بين بغداد وأربيل "مشروطة" بوحدة العراق واحترام الدستور وسيادة الحكومة الاتحادية على المنافذ الحدودية والمطارات والثروات السيادية وقوات البيشمركة والأجهزة الأمنية الكردية وفرض القانون في المناطق المتنازع عليها ومنع أي سلوك منافي للدستور من قبل إقليم كردستان العراق. وشدد الحديثي على أن استفتاء انفصال اقليم كردستان العراق ونتائجه "لم تعد مطروحة مطلقا" مبينا أن الحكومة المركزية في بغداد استندت إلى القرار القضائي ببطلان الاستفتاء فضلا عن قرار البرلمان باتخاذ جميع الخطوات لفرض سلطة الدولة. النفط العراقي يلهب الأزمة بين بغداد وأربيل يأتي هذا بعد أن دارت مواجهات بين قوات البيشمركة الكردية والقوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها ما بين مدينة (أربيل) وناحية (التون كوبري) وسط مخاوف بغداد من ضم اقليم كردستان لحقول النفط التي تعد المورد الاساسي للبلاد. واتهمت القوات العراقية البيشمركة الكردية باستخدام أسلحة ألمانية مخصصة لمقاتلة تنظيم "داعش" الإرهابي ضدها في اشتباكات جرت بمحافظة كركوك واصفة ذلك بأنه "خرق لاتفاقيات استخدام السلاح" بينما وصف نائب رئيس اقليم كردستاني كوسرت رسول قوات الجيش والشرطة الاتحادية في محافظة كركوك ب"القوات المحتلة" وأصدر مجلس القضاء الاعلى العراقي على إثر هذه التصريحات أمرا باعتقاله. واوضح المتحدث باسم العبادي أن حرس الإقليم الكردي "البيشمركة" هو جزء من المنظومة الأمنية العراقية وله دور في حفظ الأمن والاستقرار في المناطق المتنازع عليها ولكن تحت إشراف الحكومة المركزية باعتباره ضمن المنظومة الأمنية وليس مستقلا عنها. وانتهت المواجهات بين الطرفين بانسحاب قوات البيشمركة من كل المناطق المتنازع عليها في كركوك قبل أن تعلن الحكومة الاتحادية العراقية فرض سيطرتها على كامل المحافظة وأنحاء متفرقة في محافظتي ديالى و نينوى التي كانت تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية. وعن صادراته من النفطي أعلن العراق عن رفع صادرات منطقة البصرة الجنوبية ب 200 ألف برميل يوميا لتعويض النقص من حقول كركوك الشمالية بسبب العمليات الأمنية. وحذر وزير النفط العراقي جبار اللعيبي الدول والشركات النفطية العالمية من التعاقد أو الاتفاق مع إقليم كردستان دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغدادي معتبرا أن ذلك يعد "تدخلا سافرا" في الشؤون الداخلية للعراق و"انتقاصا من سيادة البلد". وأكد اللعيبي أن الحكومة المركزية في بغداد ووزارة النفط "هما المسؤولتان عن رسم الاستراتيجيات المتعلقة بالثروة النفطية والغازية وفقا للدستوري وإبرام الاتفاقيات مع الدول أو العقود مع الشركات العالمية وبخلاف ذلك تعد هذه الاتفاقات والعقود غير قانونية" مشددا حرص بلاده على "توفير البيئة الآمنة لعمل الشركات العالمية وحماية استثماراتها في جميع أنحاء العراق بما في ذلك المحافظات الشمالية". وفي هذا الإطار كشف أنه سيسعى للحصول على توضيح من شركة النفط الروسية "روسنفت" بشأن عقود وقعتها مع إقليم كردستان العراق. وعلى صعيد محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي أعلن الجيش العراقي عن مقتل المئات من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي ما بين الانبار والحويجة وتمكنت القوات العراقية من تحرير معظم مدن محافظة الانبار من سيطرة التنظيم الإرهابي. وأعلنت وزارة الدفاع العراقية عن تراجع المساحة التي كان يسيطر عليها "داعش" الإرهابي مشيرة إلى أن القوات المشتركة تنفذ عمليات لملاحقة عناصره في الصحراء الجنوبية. وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسولي إن وحدات القوات العراقية "تعمل على تحرير الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "داعش" الارهابي, بالإضافة إلى السيطرة على الشريط الحدودي لمنع تسلل الإرهابيين من سوريا باتجاه العراق". وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن - في وقت سابق - تحرير مدينة الحويجة من قبضة الإرهابيين, مؤكدا أنه "لم يبق وجود لتنظيم "داعش" إلا في الشريط الحدودي مع سوريا". تأكيد على دعم وحدة العراق وسيادته على أراضيه وقد جددت دول عربية وأجنبية إلى جانب منظمات إقليمية ودولية موقفها الداعم لوحدة الأراضي العراقية ورفضها لاستفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستاني محذرة من تداعيات هذه الخطوة على مستقبل البلاد. وأعلنت ألمانيا وقف تدريبها لقوات البيشمركة الكردية في خطوة لتوضيح موقفها الداعم لوحدة التراب العراقي كما أكدت ممثلة الشؤون الخارجية للاتحاد الاوربي فديريكا موغريني دعم الاتحاد لوحدة العراق واحترامه للدستور العراقي. وفي السياق ذاته أعلنت السعودية دعمها لوحدة العراقي كما جددت تركيا وايران وسوريا وقوفها الى جانب حكومة بغداد في الحفاظ على وحدة أراضيها. وعبرت روسيا عن موقفها بالقول إن وحدة العراق "ركيزة أساسية لهدوء المنطقة واستقرارها". ودعت كل من هيئة الاممالمتحدة والجامعة العربية الى العمل على تسوية الأزمة بين اربيل وبغداد والحفاظ على وحدة العراق ومستقبله.