تحولت وهران, عاصمة الغرب الجزائري, مع مرور السنين إلى قطب تجاري لتسويق الحلزون البري أو كما يطلق عليه سكان المنطقة باسم "الببوش", المستقدم من مختلف مدن الجزائر مما جعله متوفرا بمختلف الأسواق الشعبية والجوارية في مختلف المواسم ومحل استقطاب موائد الوهرانيين. وقد شجعت ثقافة استهلاك "الببوش" عند الوهرانيين إلى اتساع رقعته التجارية, التي لم تعد مقتصرة على الباعة المتجولين, الذين كانوا يجوبون الأحياء الشعبية لتسويق بضاعتهم وإنما زحف هذا الكائن الرخوي إلى كل أسواق وهران المفتوحة والمغطاة وحتى المساحات التجارية الكبرى. وتعرض في هذه الأسواق كل أنواع "الببوش", التي يتم جمعها من الجبال والغابات والحقول بولايات غليزان وسعيدة والجزائر العاصمة وسيق (معسكر) وتلمسان والمدية وبأسعار مختلفة تكاد تكون في متناول الجميع, كما ذكره المتخصص في بيع الحلزون بحي "أسامة" في حديث ل/وأج/ حول هذا النوع من التجارة. ويعود غلاء الحلزون, وفق البائع من منطقة سيق, الذي يعرض بضاعته بسوق "محي الدين" ( الاكميل سابقا), إلى تراجع فرص العثور على الحلزون في الجبال بسبب الحرارة الشديدة وبروز تواجد بعض الطيور التي تتغذى منه مما يتطلب جهدا أكبر في جمع "الببوش" الذي يكون مختبئا بين الصخور والذي يسمى باسم "الصائم". وبما أن الوهرانيين معروفون بولعهم الشديد بالببوش فقد تفننت كثير من العائلات في تحضير أطباق شهية أبرزها "حساء الحلزون" التي تتطلب طريقة تحضيره العديد من الأعشاب الطبية والعطرية ومن التوابل, التي يتم تقديمها خاصة في فصل الشتاء لعلاج نزلات البرد. وتتم عملية تحضير هذا الحساء, بعد تركه ليلة كاملة في الدقيق (السميد) حتى يتخلص من جميع فضلاته, ثم يتم غسله عدة مرات بالخل والماء حتى يصبح خاليا من إفرازاته اللزجة ليوضع في قدر للطهي بعد قراءة البسملة والتكبير, على حد تعبير السيدة نصيرة, التي هي بصدد انجاز كتيب حول طرق طبخ أطباق الحلزون, التي تعد جزء من المطبخ الشعبي الجزائري, مع إبراز فوائده الصحية. ولم تعد هذه الأكلة التراثية محصورة عند العائلات فقط وإنما زحف إلى مطابخ بعض المطاعم الكبرى للمؤسسات الفندقية بوهران وأصبح يتصدر قائمة الأكل التي تعرض للزبون مما يتطلب تصنيف "حساء الببوش" ضمن قائمة التراث الوطني على حد تعبيرها. ويكمن سر الإقبال الكبير للوهرانيين على الحلزون إلى القيمة الغذائية ومنافعه الصحية كون "الحلزون المتواجد بالجزائر لا يتغذى إلا على الأعشاب", وفق ذات المتحدثة, لافتة أنه مخاطه (إفرازات اللزجة) كانت جداتنا تستعملها لما لها من تأثير على تأخير الشيخوخة وتمح نضارة للوجه, لا سيما وأن العديد من شركات التجميل في العالم تستعمله في إنتاج مستحضرات ذات خصائص طبيعية للياقة والتجميل وتجنيب تجاعيد الوجه بحكم التقدم في السن. إضافة لمتعة استهلاك طبق الببوش, لهذا الكائن الرخوي أهمية في التراث الشعبي لما يحمل من دلالة ورمزية, و حتى بالروائع الأدبية العالمية منها رواية "الحلزون العنيد", للكاتب رشيد بوجدرة وكذا حضوره القوي في الأمثال الشعبية العالمية لبطئه في السير.