يحتفل العالم غدا الاثنين, باليوم الدولي للتضامن مع الفلسطينيين و هي فرصة متجددة للتذكير بحجم المعاناة المتواصلة لهذا الشعب, في ظل الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة للقوة القائمة بالاحتلال على الاراضي الفلسطينية و تواصل تعطل عملية السلام في مقابل تطبيع الكيان الصهيوني علاقاته الدبلوماسية مع بعض الدول العربية و ما خلفه ذلك من تداعيات على القضية الفلسطينية. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 1977 قرارا بالاحتفال في 29 نوفمبر من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. و اختارت هذا التاريخ بالتحديد بهدف الإشارة إلى قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة في عام 1947, والذي نص على قيام دولتين. وبينما يواصل الكيان الصهيوني التوسع جغرافيا باغتصابه مزيدا من الاراضي الفلسطينية, لايزال الشعب الفلسطيني ينتظر قيام دولته المستقلة. و جاء قرار الأممالمتحدة ليعيد التأكيد على ضرورة تنفيذ الشق الثاني من القرار المشار إليه, وعلى رغبة الأممالمتحدة أن يكون هناك حشدا دوليا وتضامنا عالميا مع حقوق الشعب الفلسطيني, وصولا الى تسوية سياسية تحقق السلام العادل و الشامل و تمكن الفلسطينيين من قيام دولتهم المستقلة و عاصمتها القدس الشريف. وكانت عديد من دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية قد التقطت تلك الاشارة العامة آنذاك, و اعتبرت غالبيتها أن تخصيص يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني "بداية لتحرك تضامني دولي واسع وعريض في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل استرجاع حقوقه" المغتصبة. و يأتي الاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذه المرة في ظل متغيرات جديدة أبقت السلام المنشود للفلسطينيين بعيد المنال بسبب ممارسات المحتل الذي عطل العملية السياسية وواصل العمل على تغيير الوضع القائم عبر مصادرة الاراضي الفلسطينية و تكثيف الاستيطان غير الشرعي و المخالف للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية بإجماع المجتمع الدولي. وتؤكد الإحصاءات أنه منذ اتفاق أوسلو الموقع في تسعينيات القرن الماضي, تضاعف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية بنسبة 180%. كما يأتي هذا الحدث هذا العام في سياق متغيرات "خطيرة" شهدتها المنطقة بعد اقدام بعض الدول العربية و منها نظام المخزن المغربي, الذي يتولى ملكه رئاسة لجنة القدس, على تطبيع العلاقات مع القوة القائمة باحتلال فلسطين. ففي ديسمبر من عام 2020, عقد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب مقايضة مع نظام المخزن الذي أعلن عن اقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني مقابل اعلان ترامب اعترافه ب"السيادة" المزعومة للمحتل المغربي على الصحراء الغربية. تطبيع يقابله التفاف واسع حول القضية الفلسطينية و قد لقي قرار التطبيع العربي-الصهيوني رفضا واسعا عبر العالم على الصعيدين الرسمي و الشعبي, باعتبار التقارب مع الكيان الصهيوني "يعني تجاهل حالة الحرب القائمة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي, و الإعتراف بمشروعية هذا الاخير على حساب الأرض والشعب الفلسطينيين". كما اعتبر التطبيع العربي-الصهيوني بمثابة "إنكار واضح وصريح لحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال, وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض حسب قرار الأممالمتحدة رقم 194, وقرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي طالب إسرائيل بوقف الأنشطة الإستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية", وهذا "اعتراف صريح" من الأممالمتحدة ب"عدم مشروعية الوجود الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وبأن الشعب الفلسطيني شعب محتل", حسب المراقبين. و قد رفض الفلسطينيون الذين يتعرضون لأبشع احتلال على وجه الأرض, تلك المقايضة "الباطلة". و أقر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية, أن الشعب الفلسطيني "يعيش مرحلة مفصلية" في تاريخ قضيته العادلة, مع استخدام سلطات الاحتلال الاسرائيلي "مظلة" التطبيع مع الدول العربية لتكثيف الاستيطان, معتبرا في ذات الوقت أن التطبيع هو بمثابة "إعطاء الاحتلال فرصة بأن يكون حل الصراع : السلام مقابل السلام وليس الأرض مقابل السلام", مثلما هو متفق عليه. و اذا كانت تلك التطورات قد شكلت "طعنة في الظهر" للقضية الفلسطينية و خيبت آمال الفلسطينيين و معهم آمال عديد من الدول المحبة للسلام في العالم, فإن مظاهر التضامن مع هذا الشعب لم تنقطع و قد أظهرت العديد من ردود الفعل الرسمية و الشعبية الرافضة لإعلان ترامب, مدى الالتفاف حول القضية الفلسطينية العادلة. ففي المغرب, انتفض الشارع بقوة ضد قرار المخزن تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني, و اعتبره "باطلا", مؤكدا على عدالة قضية فلسطين و رفض التطبيع وفضحه والتحذير من مخاطره. وبمناسبة الذكرى ال44 لليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني, يستعد منتدى فلسطين الدولي للإعلام "تواصل" لإطلاق حملة إعلامية لتسليط الضوء على التفاف الشعوب الحرة العربية والإسلامية والدولية حول القضية الفلسطينية و لتذكير المجتمع الدولي بحقيقة أن "قضية فلسطين لم تحل بعد ولا زال الصراع مع الاحتلال متواصلا". ومن بين أهداف الحملة أيضا, تعريف "إسرائيل" بأنها "كيان غير شرعي لا زال متواجدا في المنطقة", و"نزع صفة الديمقراطية والمدنية عن الاحتلال, وفضح وتعرية ما يقوم به من انتهاكات بحق الأسرى وكافة الشعب الفلسطيني من استيطان وتغول". وسيتم التركيز خلال الحملة على أحقية الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه والتفريق بين صفة "الإرهاب" التي بات يطلقها الغرب على كفاح الفلسطينيين من اجل اقامة دولتهم المستقلة وما بين المقاومة التي يقوم بها أبناء هذا الشعب لتحقيق ذلك الهدف. و يبقى أن أساس التضامن مع الشعب الفلسطيني اليوم, هو العمل المتوازي من الخارج في دعم المطالب الفلسطينية العادلة, ومن الداخل العمل على تحقيق الوحدة الوطنية من أجل الخروج بخطة تحرير متفق عليها و يلتقي حولها الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني. كما يتعين على العالم بأسره و الاممالمتحدة باعتبارها راعي السلام العالمي, قول كلمة حق ومتابعة تلك الكلمة بتنفيذ أمين وضغوطات حقيقية لإجبار الكيان الصهيوني على إنهاء الاحتلال والاحتكام إلى الشرعية الدولية.