لم تجد الدولة المغربية من وسيلة لإسكات أصوات ساكنة الريف بشمال المملكة, المطالبة بحقها في العيش الكريم عبر تحسين وضعها الاجتماعي, سوى إقرار خطة ل"تطوير زراعة القنب الهندي وتجويد نوعه" وهو ما سيعمق حتما من أزمة المنطقة ويزج بها في متاهات يكون الشباب أول ضحاياها. فبدل البحث عن استراتيجية حقيقية وخطط تنموية لانتشال منطقة الريف من معاناتها متعددة الأوجه, تواصل السلطات المغربية وبحجة "مساعدة" المنطقة الجبلية المهمشة اقتصاديا, "استكشاف الفرص المشبوهة", كما تؤكده الأصوات المناهضة لهذا القرار بالمملكة, كتطوير سوق القنب الهندي عبر تحويل المزارعين من النشاط غير المشروع نحو "زراعة مشروعة" لهذا المخدر. وتزعم السلطات أن هذه الخطة تندرج ضمن برنامج التنمية المجالية بالحسيمة, حيث سيسمح للمزارعين بممارسة نشاط زراعة وإنتاج القنب الهندي, غير أن المتتبعين لواقع الريف المغربي, يؤكدون أن قرار نظام المخزن هذا, جاء من أجل إحكام قبضته على المنطقة التي لطالما كانت وراء فضح صورته القاتمة وسياسته الاقصائية تجاه بعض مناطق المملكة وإهماله المتعمد للريف. وقد أعلنت وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال (الحكومية) عن طلب عروض لبناء مختبر أبحاث لتنمية نوعية القنب الهندي القانوني بجماعة /بني بوفراح/ بإقليم الحسيمة. ولم يكتف نظام المخزن بالسماح لسكان الريف بالعمل في زراعة القنب الهندي فحسب بل سمح للمستثمرين الأجانب العمل بالمنطقة في هذا المجال, وهو ما أكده مؤخرا, نور الدين مضيان, رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب المغربي. فقد كشف عن وجود العشرات من ملفات وطلبات الاستثمار في المجال من قبل الأجانب, قيد الدراسة من قبل الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي. وكانت ذات الوكالة أعلنت مؤخرا عن منح 10 تراخيص لمزارعين في الحسيمة وشفشاون وتاونات من أجل ممارسة أنشطة تحويل وتصنيع القنب الهندي وتسويقه وتصدير منتجاته. أباطرة المخدرات في المغرب أول المستفيدين وعن هذا الأمر شكك الباحث المغربي في العلوم السياسية عبد الصمد بنعباد, في نزاهة الجهات المعنية بالتراخيص وشدد على ضرورة إعلان أسماء المتحصلين على رخص القنب الهندي بشكل رسمي, كاشفا عن أن "أباطرة المخدرات شرعوا في تأسيس شركات من أجل الولوج إلى المنافسة في سوق القنب الهندي". نفس الاتجاه ذهب إليه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي, عبد الإله بن كيران, وهو ينتقد الطبقة السياسية في المغرب, التي بات همها الوحيد هو الحصول على كرسي وكسب المال وتوظيفه لشراء الذمم والتزوير في الانتخابات, خدمة لمصالحها الشخصية على حساب خدمة المواطن البسيط, حيث أكد ان كثيرا من السياسيين الحاليين هم "أباطرة مخدرات". وليست المرة الأولى التي توجه أصابع الاتهام للطبقة السياسية في المغرب التي تستغل المخدرات لتوجيه القرار السياسي في البلاد, فقد سبق وأن فجر الناطق السابق باسم القصر الملكي المغربي حسين أوريد, في السنوات القليلة الماضية "قنبلة سياسية" في البلاد, بعد أن اتهم مافيا المخدرات ب"السطو على القرار السياسي في المملكة". يجدر الذكر أن التقرير العالمي حول المخدرات لعام 2022 الذي نشره مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة (UNODC), أكد أن المغرب يحتل صدارة الدول الرئيسية لمنشأ ومغادرة القنب الهندي, ما يجعل هذا البلد أكبر منتج و مصدر لهذا النوع من المخدرات. وجاء في التقرير أيضا أنه "في منطقة الريف, أين يزرع معظم القنب الهندي في البلاد وأصبحت الزراعة غير القانونية كثيفة بشكل متزايد وغالبا ما تكون زراعة أحادية, فإن ذلك أدى في العقود الأخيرة إلى زيادة الضغط البيئي على نظام بيئي هش أصلا, وتمثل ذلك في شكل إزالة الغابات وندرة المياه وفقدان التنوع البيولوجي", مشيرا إلى أن الزراعة المكثفة لهذا النوع من المخدرات قد "حولت المنطقة إلى أكبر مستخدم للأسمدة ومبيدات الحشرات في القطاع الزراعي".