دخل الفلاحون بولاية أدرار هذه الأيام في سباق مع الزمن من أجل الشروع في حملة الحرث و البذر إيذانا بانطلاق الموسم الفلاحي التقليدي والذي يعرف محليا بموسم " توبر". و تزامنا مع هذه المناسبة الفلاحية التقليدية التي يحتفل بها سنويا بمنطقة توات في النصف الثاني من شهر أكتوبر ينهمك السكان في تهيئة واحاتهم من خلال تقليم النخيل وتنظيف البساتين من الأعشاب الضارة و إصلاح مجاري المياه و السواقي و الفقاقير و جلب كل المواد الضرورية التي تحتاج إليها عملية الحرث و البذر من سماد و طين و رمل أملا في تحقيق مردودية ناجعة في المحصول الزراعي القادم. وعادة ما يعتمد السكان في نقل هذه المواد العضوية إلى البساتين على ظهور الدواب نظرا لصعوبة وصول الشاحنات إلى هذه المناطق وذلك لضيق المسالك المؤدية إلى واحات النخيل والبساتين التقليدية. ومن أجل القيام بحملة الحرث و البذر في وقتها المطلوب تجند العائلات بأدرار كل أفرادها في تنسيق يضاهي نظام خلية النحل بحيث يقوم كل فرد بالدور المنوط به حسب طاقته و موقعه في الأسرة مما يضفي على هذه العملية لمسة أسرية تزيد من متعة المشهد الذي يلم شمل العائلة ويكرس أيضا مفهوم التماسك والإنسجام بين أفراد العائلة الواحد. وتحتل زراعة القمح و الشعير المرتبة الأولى من حيث الأهمية كما يقول أحد فلاحي توات -عمي محمد- البالغ من العمر 70 سنة -ويستحوذ هذا الصنف من الزراعة على المساحة الأكبر من البستان وتليها بعض الزراعات الأخرى التي تشمل مختلف الخضروات الموسمية كالبصل و الطماطم و الجزر إذ تعد هذه المرحلة المناسبة طبيعيا لزراعتها مما يساهم بشكل كبير في تقليل فاتورة الشراء لدى الأسر بسيطة الدخل. و من بين العادات و التقاليد التي تحرص الأسرة بتوات عليها لإحياء هذا الحدث السنوي الهام هو إعداد " كسرة " تقليدية عريقة تعرف عند السكان المحليين ب "الطنجية" التي هي عبارة عن رغيف تقليدي يتم تحضيره بطريقة ممتعة و فريدة من نوعها. ومن أجل تحضير هذا الخبز تقوم كل عائلة بتوفير كل المستلزمات من حطب و رمل وأواني تقليدية إلى جانب طحين القمح المستخرج من محصول الموسم الفلاحي السابق .ويتم طهي الكسرة بردمها بالرمل الصافي بعد و ضعه على حجر مصفح يطلق عليه "الصفية" التي يتم تسخينها بنار حطب هادئة .وتساهم هذه الطريقة التقليدية في إعطاء كسرة " الطنجية " مذاقا شهيا و متميزا لا يقاوم. ويرمز إحياء موسم " توبر" بولاية أدرار إلى مدى تعلق سكان هذه المنطقة من جنوب البلاد بالأرض.فلا زالت الزراعة التقليدية تحتفظ بمكانتها إجتماعيا واقتصاديا وفي مقدمتها زراعة النخيل باعتبارها تشكل المورد الأساسي لمعيشة شريحة واسعة من سكان مناطق الجنوب.