لم أكد أنهي روايتي /حقيقة الخديعة/ للأمريكي /دان براون/، حتى سمعت ما يشبه حركة كائن قديم / حديث وأزلي، فأعدت تشغيل هاتفي النقال - ربما لأنزل من الفضاء الأمريكي إلى ما أنا عليه -، لأسحب من خزانة كتبي المتناثرة كتابا آخر، فما كان الحظّ إلا رواية /الحمار الذهبي/، وهي أول رواية في تاريخ الإنسانية، كتبها جزائري عريق، اسمه /لوسيوس أبوليوس/ أثناء القرن الثاني للميلاد، فما كان على ذاكرتي إلا الاستصراخ، في غمرة الإغتيالات التاريخية للأدب، التي تطال وجدان البشرية، في شرفها العلمي والأخلاقي· كنت أسحب أصابعي من تحت غلاف الكتاب وأنا أتمتم في ردّي على عصابات الأدب /العروبي/ الحديث، التي روّجت لعدة عصور لفكرة /شرق الأدب العربي/، فما تكاد تنطق بمجرى النّهر، إلاّ وحبست أنفاسها روائح المكان الضيّق، على حساب ديمومة المكان الإنساني الأرحب، في مناخات ثقافية طبيعية، لا تحتمل ضمائر الأيديولوجيا، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي ورم السرطان في الأجسام الفنية والجمالية للحياة· أتساءل والسؤال باب المعرفة الإنسانية الحقّة، ما الذي يجنيه جمال مخدوش الوجه والصفائح البلورية، في مجموعة أنماط الأدب؟ هل هي الثقافة المحلية المتعرّقة في ترسباتها الإثنية العدمية، أم أن تلاقح الأداب لم يتخلّص من مصطلحات الأنثروبولوجيا المتغلغلة في ذهنيات مجموعاتها البشرية؟ إنّها مجرّد أسئلة متخلّصة من الفلسفة الذهنية، التي تميت كل محاولة تجرّد من ألبسة /الرّثاثة/، كما هو الشأن بالنسبة لثلاثية نجيب محفوظ وتجنيات النقد الميتامورفوزي، وكذا من ألبسة الإستيراد باهظة الأثمان، كما هو الحال بالنسبة لبضاعة /دان براون/ أو /هنري ميلر/ أو /جاك دريدا/، أو غيرهم من أنساق الحكمة التي تفيد لذاتها، فتخادع غيرها، المتخلّص من جذرياته المعرفية، في الفضاء المسمّى - تضييقا - بالفضاء العربي· بمعنى آخر من المعاني، هل هو نفس النسق المعرفي في العلوم الإنسانية عامة، ذلك الحكم الذاتي على /الذات/ والانطباع الخارجي على هذه /الذات/ ذاتها، أم أن لعبة الأدب هي ذاتها لعبة الهاوية، في جميع تجمعات الإبداع الإنساني، كما هي في أدب /أرنست همنغواي/ و/غابرييل غارسيا ماركيز/، رغم أنني أشعر بإجافي الداخلي كلّما سمعت صوت ذلك الحمار الذهبي وهو ينهق على مسامعي، من أغوار كهوف القرن الثاني للميلاد، سابقا كل أصوات /الحيوانات الأدبية في العصور الحديثة/· سيبقى من الحكمة أن أقول هامسا في أذن /الحمار الذهبي/: سمعتك، سمعتك، فما عليك إلا بوضع أثقال هذه الحضارات الطاعنة في ممارسة الإغتيالات الجماعية للحق والخير والجمال، فمن الأدب أن تنهق يا حمار في وجه من استصغرك من رعاة البقر وسكّان القبور ومفكّكي الإبستمولوجيا، في جبال كليمنجارو· يتبع