هنا تجربة لواحد من أبرز الوجوه المسرحية الشابة في الجزائر، يحكي فيها بقلمه أهم المحطات·· إنه عبد الحليم زريبيع ·· لقد استهوتني لعبة التمثيل وأنا صبي من خلال الشاشة الكبيرة التي كنا نطلق عليها تسمية ''سينما الحيط''، لقد سحرتني ولم أكن أدري في ذلك الوقت ما معنى السينما أو المسرح· في قريتي الصغيرة التي تبعد عن العاصمة الجزائر ب 2000 كلم، كان يقام سوق تجاري سنوي يعرف ب ''المفارا''، يدوم هذا السوق 16 يوما، تبعث خلالها مؤسسة السينما عربة كبيرة لعرض الأفلام فتقابل جدارا مصبوغا باللون الأبيض·· هذه هي ''سينما الحيط''· في الصف الثالث ابتدائي ضمّني المعلم سلطاني عباس إلى فرقة التمثيل بالمدرسة، فكانت البداية واستمرت إلى غاية التعليم الثانوي بمدينة بشار، وفي ثانوية ''أبو الحسن الأشعري'' التقيت بعادل عزت في ورشات تكوينية وقدمت مع فرقة الثانوية ثلاثة أعمال مسرحية من إخرجه، ومعه بدأت لمس كواليس المسرح· العروض التي مثلت فيها مع الأستاذ عادل عزت كانت مدة عرضها ساعة زمنية وفيها ديكور وملابس وأكسسوارات وإضاءة ومكياج، لأننا قبل ذلك نمثل سكاتشات مدتها 10 دقائق لم أكن قبلها أعلم ما هي العلبة الإيطالية··· لقد وضعنا الأستاذ عادل على الطريق، ومن خلال انشغالي أنا وأصدقائي في نفس المدينة مع الأستاذ عادل أعدنا الأعمال التي اشتغلنا فيها معه بعد أن أسسنا فرقة خاصة في تندوف، وقدمنا أعمالا أخرى ك ''السلطان الحائر'' و''مجلس العدل) لتوفيق الحكيم···إلخ· في سنة 1987 سافرت إلى دمشق لدراسة فن التمثيل، استقبلني الكاتب الصحفي نبيل الملحم وقدمني إلى الدكتور فواز الساحر بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وقد كان متواضعا وذو أخلاق عالية، لم يشعرني يوما بالغربة· لقد دامت إقامتي في الشام حوالي أربعة أشهر، وفي هذه الفترة الزمنية مرض الوالد وتوفي -رحمه الله- فأمرتني والدتي بالعودة·· وعدت وأنا أحمل في قلبي حصرة كبيرة· عندما ذهبت لتوديع أصدقائي والأستاذ فواز، هذا الأخير الذي شعرت بأسفه لرحيلي وهو يهديني مجموعة من الكتب (فن الممثل، إعداد الممثل، حياتي في الفن، الفكرة الإخراجية··· إلخ)· عندما عدت إلى مدينتي، كان إدمان المطالعة قد تمكن مني وصرت ألتهم أي كتاب أصادفه وبدأت العمل مع الفرقة وقدمنا مجموعة أعمال منها (الانتظار، الطوفان، الزير سالم، هاملت···إلخ· في 92 جمعتني صداقة مع الكاتب الصحفي مصطفى بن دهينة من محطة بشار، كان سندا ومحفزا لي ولجميع عناصر الفرقة، قدمنا مع محطة بشار للتلفزيون سنة 97-98 عملين· في 2002 قدمت ''النسور'' بالتعاون مع تعاونية تينهينان مسرحة ''نهاية لعبة'' لصمويل بكيت ترجمة الشاعر عبد الله الهامل وأخرجها عز الدين عبار، شاركنا بها في مهرجان المسرح الممتاز بسيدي بلعباس في نفس السنة، وتحصلت على جائزتين، هما أحسن إخراج وأحسن ممثل التي أخذها بومدين بلا· في هذه الطبعة كان رئيس لجنة التحكيم الفنان محمد بن قطاف، الذي بقيت في ذاكرته إلى أن جاءت الجزائر عاصمة الثقافة العربية سنة ,2007 حيث في شهر أكتوبر 2006 رنّ هاتفي، فإذا به الفنان محمد بن قطاف قال لي: هل أنت مستعد للمجيء إلى العاصمة من أجل كاستينغ مع المخرج التونسي بن براهيم، فأجتبه حاضر - كان يوم خميس - يوم الأحد سأكون بإذن الله في العاصمة· يوم الجمعة سافرت بالحافلة متجها إلى بشار التي تبعد عن مدينتي ب 800 كلم، وكانت ليلة ماطرة، وعلى مساحة 100 كلم من بشار قطعت الأمطار الطريق، وجلسنا من الخامسة صباحا إلى الواحدة مساء ننتظر الحافلة، وفجأة قررنا نحن أربعة أشخاص قطع الوادي على الأقدام·· اجتزنا الوادي، ركبنا سيارة باتجاه بشار ،وصلنا نصف ساعة قبل إقلاع الحافلة إلى العاصمة· صباح الأحد كنت جالسا في مقهى طونطون فيل أشرب فنجان قهوة·· وكان لقائي مع المنجي بن براهيم في ''الحكواتي الأخير'' نص عبد الكريم برشيد، البداية، بعدها مثلت في مسرحية ''أبوليوس'' لأحمد حمدي وإخراج شوقي بوزيد·· في المهرجان الوطني للمسرح المحترف 2007 قدمني الفنان محمد بن قطاف إلى الفنان قاسم محمد في مقر محافظة المهرجان بالتحديد في مكتبه، جلست برفقته ساعة، لم أكن أعلم أن الأستاذ قاسم محمد سوف يؤطر ورشة تكوينية يقدم من خلالها نصه ''مدونات المستور بين الموجود والمفقود''· في بداية شهر جويلية طلبني الأستاذ قاسم محمد لكي أنضم إلى الورشة، وأجبت بكل سرور، فقال ''أنت التوحيدي''·· هو فنان عظيم أخلاقه عالية، لم أر في حياتي صبرا ولا جلدا ولا ثقة في النفس وقدرة كبيرة على الإقناع مثله، لقد كان موسوعة، قارب ال 80 سنة ويعاني من مرضى خبيث، ولم يمنعه هذا ولا سقوطه من سلم الطائرة، من العمل على تفجير طاقات الشباب، في ورشة كانت تضم 75 فردا· لقد كان معنا في الورشة شباب لم يمارسو المسرح من قبل يذرفون الدموع لفراقه، لقد أحب الجميع قاسم محمد، رحمه الله· في 2008 اشتغلت مع حيدر بن حسين شخصية السجان، وتحصلت على جائزة أحسن ممثل، إلى جانب أربع جوائز أخرى نالتها المسرحية، ثم شاركنا بها في مهرجان عمان، وقد مثلت الجزائر أحسن تمثيل·· وعندما حلت 2009 حلت مسرحية ''مسرى'' نص مأمون حمداوي إخراج فاضل عباس، لعبت فيها شخصية الدرويش، التي تحصلت بها على جائزة أحسن تمثيل رجالي في المهرجان المحترف· في نفس السنة اشتغلت مع المخرج الفرنسي إيغون راموف في مسرحية ''الصحراء الأخيرة'' التي قدمت في المهرجان الإفريقي الماضي· في 2010 طلب مني صديقي ربيع قشي، وقد كان يحضّر العمل المسرحي ''مارينا'' نص عمر شروك، طلب مني أن أشترك في العمل، وكنت سعيدا بهذه التجربة الجميلة إلى أن جاءت المخرجة التونسية دليلة مفتاحي إلى المسرح الوطني لإخراج مسرحية ''شهرزاد لالة النسا''، وشرحت لها وضعي واتفقنا على أن أشتغل معها خمسة أيام في الأسبوع وأيام العطلة الأسبوعية أذهي إلى برج بوعريريج لأعمل مع أصدقائي في مسرح التاج· ولكن للأسف تزامن عرض مسرحية ''شهرزاد'' مع التصفيات المؤهلة في عناية، وقد لعب الدور المخرج ربيع قشي كانت الظروف أقوى مني وقد تفهموا وضعي على العكس هم الذين طلبوا مني أن لأضيع التجربة مع الفريق التونسي··· وبعد ''شهرزاد لالة النسا'' اشتغلت في مسرحية أخرى هي ''بنات لير'' عن نص لوليام شكسبير مع أحمد قارة· وأنا الآن بصدد تحضير مسرحية ''أنا وهو الكلب'' لنبيل ملحم·