الممثلة القديرة سميحة أيوب هي سيدة المسرح العربي بلا منازع... لقب لم يأت من فراغ، بل ليجسد مسيرة عمرها 56 سنة، قدمت خلالها أكثر من 170 مسرحية، إنها الفنانة القديرة »سميحة أيوب« التي دافعت عن نفسها بشدة تجاه الاتهامات التي وجهت إليها مؤخرا بأنها أهانت المسرح الجزائري الذي وصفته ب»سيد المسارح العربية«. * بداية أود أن تجيبيني بصراحة: هل نسيت أم تناسيت المسرح الجزائري في حديثك عن التجارب المسرحية العربية؟ * - لا هذا ولا ذاك، ولكن ما حدث في برنامج »نلتقي مع بروين حبيب« أن فريق البرنامج لم يمنحني الوقت الكافي للحديث عن المسرح الجزائري بإسهاب، فقد تناولت التجارب المسرحية في العالم العربي كله واضعة إياها في كفة، لأضع المسرح الجزائري في الكفة الأخرى لأني أعتبره سيد المسارح العربية، لكن حدث ما حدث، لذا فأنا لم أهن الجزائر ولا أجرؤ على ذلك، بل على العكس أحب هذا البلد الذي يكرم الفن الحقيقي ويحترم ويحب أشقاءه، كما أن الجزائر دائما ما تكرمني أكثر من أي بلد عربي آخر. * * ألهذا السبب تحرصين على عدم تفويت أية تظاهرة مسرحية جزائرية؟ * يجب على الفنان أن يحضر كل المناسبات الفنية، ولكن المسرح الجزائري له خصوصية بالنسبة لي، كما أنني أنتهز أية فرصة للالتقاء بالجزائر الجميلة، والاقتراب من الجمهور الجزائري الذواق والمحب لسميحة أيوب، إضافة إلى أنني أستفيد كثيرا أثناء تواجدي في الجزائر من خلال التلاقي والتحاور مع رموز هذا المسرح الأصيل. * * لماذا طغت شهرتك المسرحية على السينما والتلفزيون؟ * لأني منحت المسرح فني وحياتي، فأنا ركزت عليه على حساب الألوان الفنية الأخرى. * * كيف تفسرين تفوقك على بقية فنانات العرب في المسرح؟ * أنا تخرجت من معهد التمثيل عام 1954 ، حيث تتلمذت على يد عملاق المسرح »زكي طليمات«، فلو لم أكن قد تعرفت على هذا الرجل وتتلمذت على يديه كان من الصعب بل من المستحيل أن أصل لما وصلت له من إجادة وقدرة على خشبة المسرح. * * هل انصبّت طموحاتك منذ البداية على التمثيل؟ * لم أكن أحلم أبدا أن أصبح ممثلة، بل كنت أتوق لأن أكون راقصة باليه، فقد كنت متابعة جيدة لكل عروض الباليه وأنا طفلة، وكنت أغلق على نفسي باب غرفتي وأمارس هذه الهواية أوقاتا طويلة ودون ملل. * * وأي ريح غيّرت شراعك؟ * عندما كنت في البكالوريا سمعت في المذياع أن معهد الفنون المسرحية يطلب آنسات للانضمام، وكان عمري لم يتجاوز الرابعة عشرة، فقررت التوجه للمسرح. * * ومتى وقفت على الخشبة لأول مرة؟ * كان ذلك من خلال فرقة زكي طليمات، فقد أعطاني الراحل العديد من الفرص، ومع كل عرض جديد كنت اكتسب خبرات أكبر وكانت مساحات أدواري تزيد في كل مرة، ولا أنسى ما حييت ما قاله لي بأنني سأصبح يوما إحدى أكبر وأهم نجمات المسرح المصري والعربي، فكان هذا هو سر اهتمامه بي. * * ارتبطت بالكاتب المسرحي الكبير الراحل سعد الدين وهبة 34 عاما، فصعد نجمك للسماء، فهل لعب هذا الزواج دورا في نجوميتك؟ * سعد الدين وهبة هو أهم وأعظم رجل التقيت به في حياتي، فقد كان إنسانا عظيما، وجاء ارتباطنا في وقت أعاد فيه ثقتي في الرجال بعد أن اهتزت هذه الثقة بدرجة كبيرة، وبعد ارتباطنا أصبحت البطلة في مسرحياته، وكان وجودي مركزي وأساسي في حركته وفي العلاقات الإنسانية المختلفة، لقد كان رحمه الله من أصحاب العواطف الحادة. * * لعبت بطولة أبرز وأهم العروض المسرحية التي كتبها زوجك الراحل، فماذا حقق هذا الثنائي الفني؟ * لقد شهد المسرح المصري في حقبة الستينيات نهضة مسرحية عظيمة يشهد بها الجميع، وأعتقد أنها لن تتكرر ومن هنا قدمنا مسرحيات »السبنسة« عام 1962 ، و»كوبري الناموس« عام 1963، و»بير السلم« عام 1964م، و»كوابيس في الكواليس« عام 1967، و»المسامير« عام 1968 ، وتعرضت مسرحية »سبع سواقي« عام 1969 للمصادرة والمنع، أضف إلى هذه العروض الهامة »الفتى مهران« و»الدخان« و»عائلة الدوغري« و»الفرافير« وغيرها، فقد كانت هناك معركة ساخنة وجميلة بين القطاعين العام والخاص ومسرح التلفزيون، ومن هنا شهد المسرح نهضة عظيمة في هذا الوقت وبالطبع يأتي في مقدمة هذه العروض المسرحية العظيمة »سكة السلامة«. * * على النقيض من هذه القفزة في الستينيات، كان هناك ركود مسرحي في حقبة السبعينيات، بماذا تفسرين ذلك؟ * - الحقيقة أن الرقابة خنقتنا في هذا الوقت، وأفسدت الكثير من العروض، ومنعت استمرارها مثلما حدث مع عرض »إسطبل عنتر« عام 1973، لدرجة أنني انفعلت وقلت لرجال الرقابة »جرى إيه... هو المؤلف هيكتب ووراءه خمسة عساكر، يقولون له على كل كلمة هذه إسقاط على كذا، وهذا يشير إلى كذا؟« فالمسرح في السبعينيات انتحر بسبب الرقابة. * * هل قدمت أعمالا مسرحية بعيدا عن سعد الدين وهبة؟ * - بالطبع... فهناك عدد كبير من العروض أعتز بها، ابتداء بمسرحية »رابعة العدوية« التي حققت نجاحا كبيرا وقت تقديمها، ومرورا ب»السلطان الحائر« تأليف توفيق الحكيم، و»الساحرة«، حتى »الناس اللي في التالت« و»ليلة الحنة«. * * ممثلة وصاحبة مناصب إدارية في ذات الوقت، كيف استطعت التوفيق بين العملين؟ * أنا توليت منصب مدير المسرح الحديث خمسة أعوام كاملة من عام 1972م حتى عام 1977 ، ثم توليت إدارة المسرح القومي لمدة 14 عاما كاملة ابتداء من عام 1975م حتى عام 1989 حتى استقلت منه. * * هلا أخبرتنا عن أسباب هذه الاستقالة؟ * وصلت لمرحلة لم أعد فيها قادرة على الدخول في معارك وصراعات، فقد اجتهدت وسعيت للقضاء على الأسلوب البيروقراطي، إلا أن اللوائح والقوانين والميزانيات والاعتماد لم تجعلني أحقق كل ما كنت أرجوه، ورغم هذا تركت بصمات جيدة لازال أبناء المسرح القومي يتحدثون عنها حتى اليوم، وقد شهد المسرح القومي في الوقت الذي توليت فيه إدارته نهضة جيدة وعروضا هامة وكبيرة وناجحة. * * ناديت بتأصيل المسرح العربي، هل وجدت آذانا صاغية لندائك؟ * - لم أكن وحدي من نادى بذلك، فمنذ أكثر من 25 سنة وكل المهتمين ينادون بتأصيل المسرح العربي، لكن للأسف نفس العبارات ونفس التوصيات واللقاءات، دون الإسفار على نتيجة ملموسة. * * وقفت على خشبة معظم المسارح العربية في مصر وسورية والعراق والأردن وتونس والمغرب والسودان، فهل لامست اختلافا في جمهور المسرح؟ * الجمهور يتغير بحسب التغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها البلد، ولكل عصر تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، تسهم في تغيير ذوق الجمهور وإحساسه، أما الجمهور الجزائري تحديدا فقد رأيت اختلافا من ناحية اهتمام الشباب بالمسرح وعدم اقتصار الأمر على الكبار والمثقفين، وهذا ترك لدي انطباع ثابت وهو عدم انحسار الثقافة في الجزائر على فئة أو مرحلة عمرية بعينها خلافا لما هو سائد في معظم البلدان العربية. * * هل لايزال المسرح العربي والجزائري تحديدا محتفظا بدوره على الساحة؟ * يعيش المسرح حاليا حالة يقظة وتقدما، فهو بدأ يدخل مرحلة انتعاش بعد أن كان ملوثا بالعري، لكن المشهد تبدل أخيرا، وها هو يصحو من كبوته، هناك ازدهار لمسرح القطاع العام وعودة الجمهور إليه وازدحام مقاعده بعد أن كانت الستارة ترفع على عدد قليل من المتفرجين. باختصار، أنا متفائلة لحال المسرح العربي حاليا، لكنه في الجزائر يحتاج المزيد من الدعم ليعود لسابق عهده الريادي. * * بماذا تفسرين إذاً ابتعاد المسرح عن القضايا السياسية التي نعيشها مثل قضية الشعب العراقي والقضية الفلسطينية؟ * المسرح بريء من ذلك، لأن مسرح الدولة هو لسان حال التعبير عن مشكلات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتحمل المؤلفون والكتاب وحدهم مسؤولية عدم تناول القضايا المعاصرة. * * شهرتك المسرحية لم تضاهها شهرة سينمائية... لماذا؟ * أنا عاشقة للمسرح من أخمص قدمي حتى آخر شعرة في رأسي، وأعتبر نفسي فنانة مسرحية بالدرجة الأولى، ورغم مشاركتي في بطولة أكثر من 50 فيلما سينمائيا، إلا أنني ظللت أشعر بغربه شديدة بيني وبين السينما، فكنت أعمل فيها وأنا أشعر أنني أقيم في بيت غير بيتي، ولهذا حينما اتخذت قراري بترك السينما اتخذت القرار بسهولة ولم أضعف ولم أتراجع، بينما الأمر مستحيل مع المسرح، فأشعر وأنا أقف على خشبته بأنني ملكة متوجة على العرش، فالمسرح هو بيتي الأول والأساسي. * * هل كنت مجبرة على الاختيار؟ * لو كنت استمررت في السينما لما أصبحت سيدة المسرح العربي، والمسرح يحتاج إلى تفرغ عكس السينما، إضافة إلى أن السينما الحالية لم تعد تتناسب مع تاريخي الفني الطويل، ولا أستطيع أن أضع اسمي في عمل سينمائي لا أعرف نتيجته وقد يسيء لتاريخي. * * لديك أعمال تليفزيونية مميزة، أيها أقرب إلى قلبك؟ * أحب جدا مسلسلات »نور القمر« مع عزت العلايلي، و»أميرة من عابدين« مع سميرة أحمد، و»حرث الأرض« إخراج وجيه الشناوي، وأحب تجربتي في مسلسل »زكية هانم« فهو المسلسل الكوميدي الوحيد الذي قدمته، ومن أحب المسلسلات التي قدمتها »الضوء الشارد« مع ممدوح عبد العليم ويوسف شعبان والذي جسدت فيه شخصية »الحاجة ونيسة«، أضف إلى هذا العديد من المسلسلات الدينية والتاريخية وفي مقدمتها مسلسل »سيف اليقين« الذي قدمت فيه شخصية الخيرزان أم هارون الرشيد، المرأة المحبة لبيتها وأولادها وزوجها ولا تبخل عليهم، وكذلك »سيف الدولة الهمداني«، وينبع حبي للأعمال الدينية والتاريخية من عشقي للغة العربية، والتي أشعر بحزن شديد عليها بسبب الظلم الشديد الذي تتعرض له في الأعوام الأخيرة.