يعني لي اليوم الحديث عن الدكتور المرحوم عبد الله شريط (وأنا ابن الجزائر المستقلة) التطرق لقامة وطنية وفكرية قلّ مثيلها في حياتنا الثقافية الجزائرية ··· فلقد تمكّن هذا الرجل المتواضع في شخصه، المتقد بفكره وأدبه من خلال النضال الحق والكتابة الدؤوبة من بلوغ مرتبة سامقة لدى كافة الأطراف، يمينها ويسارها، ألا وهي مرتبة المفكر المربي، الذي يهمُّه أولا تكوين الإنسان لمواجهة تحديات العصر ··· وما أعقد التحديات التي تواجهنا اليوم· وعلى الرغم من الحيف الذي طال الدكتور عبد الله شريط في حياته إلا أنه بقي وفيا لخطّه ومنهجه وموقفه المؤمن بقدرة الفكر في صناعة المصير المغاير والمعتزّ بجدوى خياراته ··· آمن باللغة العربية فدافع عنها بالحجة والبرهان ··· كتب عنها إلى أن تحول إلى رمز عروبي خالص· آمن بالأخلاق أيضا، فعدّها سببًا جوهريا للوصول إلى أسمى درجات النبل والاستواء ··· كتب عن المجتمع الجزائري فشرّحه من خلال معالجة مشكلات واقع الثقافة الجزائرية ··· دخل معترك ''المفاهيم'' فحلّل بكل جدارة قضايا شائكة من صميم الحياة اليومية الجزائرية ··· عاش محترقا بهمّ السؤال المعرفي ومن أجل ذلك كابد في الكتابة حيث جعل من الفلسفة أمرا حياتيا حيويا قريبا من هموم الناس· التقيت به في 2007 في آخر محاضرة ألقاها بالمكتبة الوطنية الجزائرية، وقد خصّصها لموضوع إنساني شاهق ··· كانت محاضرة مليئة بالأسئلة التي تبتغي الكشف والمكاشفة مع تقديم البدائل الكفيلة بدفع العقل إلى الأمام· ما الذي يمكن قوله بعد كل هذا وبعد هذا الرحيل المرّ ؟ لي في القلب وفي العقل أمنية أرجو ألا تذهب أدراج الرياح ··· أمنية تتعلق بالمكتبة الخاصة لهذا الرجل والتي أتصورها ضخمة وثرية ومتنوعة ··· أرجو ألا تضيع أو تختفي مثلما ضاعت - من قبل - مكتبة مصطفى الأشرف، ذلك الخصم الشهم والنبيل الذي شارك المرحوم السجال والمقابسات·