تسجل مصالح الاستعجالات الاستشفائية كل سنة عبر مستشفيات البلاد عشرات المتوفين بين المرضى المزمنين بسبب العصيان الطبي، من خلال إصرارهم على الصيام وسقوطهم إثر ذلك في مضاعفات صحية خطيرة، لكن دون وجود إحصائيات مضبوطة، وهو ما سيكون قريبا محور دراسة، كما أكد ذلك مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ''كون الأمر أصبح ظاهرة حقيقية سنوية''، ويقول رئيس فدرالية جمعية مرضى السكري أن هذه الفئة من أكبر الفئات التي تسجل وفيات بسبب العصيان الطبي في رمضان· كثيرا ما يرفض أحد المرضى في أسرنا وعائلاتنا، الإفطار في رمضان بسبب وضعه الصحي، والانصياع إلى أوامر ونصائح الأطباء، وذلك بداعي أن هؤلاء الاشخاص يعز عليهم انتهاك حرمة رمضان ويخجلون بذلك من وضعياتهم تجاه الدين وسط العائلة رغم الهالة الإعلامية التي تنالها هذه المسألة والرخص التي يفتي بها العلماء استنادا إلى آراء الأطباء·· ·· لماذا إذن يقتل الجزائريون أنفسهم في رمضان؟ يقول بوستة نور الدين، رئيس الفيدرالية الجزائرية لجمعيات مرضى السكري، أن هذه الفئة ''هي الفئة الأولى المعنية بهذه الظاهرة، حيث نسجل عشرات الوفيات سنويا بسبب رفض المرضى المزمنين، وخاصة أصحاب السكري اتباع نصائح الأطباء الذين يعالجون عندهم، والأمر يتعلق اساسا بالتوعية والتحسيس ورغم المجهودات التي نبذلها في هذا النطاق، إلا أنه للأسف الشديد نبقى نسجل معدلات مخيفة، إلا أنها غير مضبوطة ويكفي أن نسجلها بالعشرات سنويا''· أما بالنسبة للبروفيسور مصطفى خياطي، فالأمر أكثر خطورة، رغم اعترافه، من جهته هو الآخر بأن وفيات العصيان الطبي أصبحت ''في مستويات مقلقة جدا وذلك لعدة عوامل، أهمها أن الأطباء أصبحوا يتعاملون مع مرضاهم بدون عاطفة وتدهورت العلاقة كثيرا بين الطبيب والمريض''· و أوعز البروفيسور تردي العلاقة بين الطبيب والمريض إلى الضغط الكبير الذي أصبحت تعرفه المنظومة الصحية في الجزائر بشقيها في القطاع العام والخاص، ''إذ أصبح عدد المرضى كثيرا جدا، مقارنة بالسنوات الماضية وهو معطى اتخذ منه الطبيب في الجزائر ذريعة لكي يتخلى عن دوره التوعوي والاجتماعي مع المريض من خلال جلسات المتابعة الصحية التي يقضي فيها الطبيب مع مريضه وقتا طويلا في المكتب أو العيادة في وقت لا تسمح الأعداد الكبيرة في قاعة الانتظار أن يؤدي المعالج دوره''· لكن ذلك لا يعني -حسب رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث- أن يستمر الطبيب في تخليه عن دوره التوعوي ويشرح باستفاضة لكل مريض يتابع عنده وضعه الصحي ورأي الدين والطب في مثل حالات المرضى المزمنين لكي لا يحس المريض بأن الطبيب يعامله كشيء وليس كإنسان''· أما الدكتور المشهور بوديبة عيسى المتخصص في الغدة الدرقية وداء السكري، فيدافع عن الطبيب بقوله ''إن المريض مهمة مجتمع كامل وليس الطبيب فقط، فالمريض بحاجة إلى نظرة عادية لا تجعله يحس بأنه مختلف بين الناس، ويحتاج إلى التفاف أقاربه وجيرانه حوله ويحتاج أيضا إلى معاملة الطبيب الجيدة أيضا، لكن لا يمكن القول بأن الطبيب وحده من تخلى عن مسؤوليته''· أما عن مرضى العصيان الطبي، يقول الدكتور بوديبة عيسى أن ''عمليات تشريح الجثث هي وحدها من تقودنا إلى معرفة ما إذا كان الصيام سببا مباشرا في وفاة مرضى مزمنين''· ويضيف ''بإمكان أصحاب الربو والسكري الخاضعين للأنسولين أو مرضى الكلى أن يموتوا لكن دون أن نعرف بأن الصوم هو السبب ويدفنون بأسرارهم، لذا أرى بأنه من المغامرة الحديث عن أرقام في غياب دراسة رسمية ومتابعة دقيقة للوضع، فهناك كثيرا من المرضى ما يجعلهم الصيام في صحة جيدة''·