ولد حسن عسوس أربع سنوات بعد حوادث 8 ماي 1945 بقرية الأمير عبد القادر ضواحي الطاهير بجيجل، إكتشف مسرح البحر، ذات يوم من العام 1972 فجأة بأحد المعاهد التابعة لوزارة التكوين المهني·· كانت النسخة الأولى من ''محمد خذ حقيبتك'' تلك التي قلبت حياة حسن الشاب، رأسا على عقب·· إقترب من ياسين وانخرط بعد هذا اللقاء في فرقة ياسين، إكتشف أثناءها رفيقته فضيلة التي عرفت قبل كاتب ياسين عبد القادر علولة صاحب ''الخبزة'' و''الأجواد'' فيما بعد·· وتحولت لدى الشابين مغامرة المسرح إلى مغامرة حب، وحياة مشتركة إختفت فيها لزمن طويل حدود الحياة العائلية والزوجية وحدود الحياة في المسرح وللمسرح·· كان حسن وأنا أحاول أن أعيد معه ترميم الذاكرة المتشظية يسرح النظر، ويجذب نفسا طويلا من سجارته وكأنني أقذف به إلى حياة كانت أشبه بالموج العتيد الذي ينبعث في أعماقه من جديد، لقد تمكن الزمن من حياة الرفاق واختلفت ببعضهم السبل·· تغيروا مع الجزائر وصار ما كان يحلمون به ذكرى تنام تحت طبقات سميكة من الزمن الصامت·· محفوظ الذي كان لفترة طويلة النسخة المحددة والمكررة لياسين في حياته وأسلوب عيشه وتعاملاته، يعيش الآن في سيدي بلعباس في إحدى العمارات بعيدا عن الأضواء وهدير الأحداث، يحتفظ بذكرياته في قلبه ولا تعلن هذه الذكريات إلا لحظة اللقاء المفاجئ وبدون موعد مع قدامى رفاق مسرحية ''خذ حقيبتك''·· إلتقيته منذ فترة، وكنت حينها أريد الكتابة عن مصائر فرقة ياسين·· ذهبنا عند ''دادو'' وكان المكان عامرا بالدخان والضجيج والهدير، قال لي وأنا أسأله عن تلك اللحظات الأولى من حياته مع ياسين·· أنه كان يتذكرني وأنا لازلت في بداية الطريق، كنت حينها طالبا، قال لي·· ''وكنت أراك رفقة مرزوق في شقة ياسين بالمركز العائلي بابن عكنون·· أشعث الشعر وصموتا وممتلئا بالأحلام الشرهة·· وعندما سألت ياسين عنك، قال لي، أنك طالب علم··''، وابتسمت للعبارة ''طالب علم؟!''، قال لي محفوظ يومها ''أنه يحلم بإعادة بعث زمن محمد خذ حقيبتك''، نفس الكلام قاله لي مرزوق عندما التقيته أثناء كتابة هذا الرد، ونحن جالسين في مسرح الهواء الطلق بالمركز العائلي بابن عكنون أنه ''يحلم بتمثيل محمد خذ حقيبتك'' في مونولوغ·· طبعا كان هذا أيضا حلم ياسين في سنواته الأخيرة·· وأيضا دحمان؟! أين هو سألت حسن·· قال لي أنه تمت إعادة إدماجه في فريق مسرح سيدي بعلباس، بعد أن كان قدم استقالته في التسعينيات·· سألت دحمان عندما التقيته أمام مبنى المسرح الوطني أسبوعا بعد لقائي مع حسن عسوس إن كان يشتغل على عمل مسرحي جديد·· قال لي، أنه قدم مشروعا للمسرح الوطني، لكن المشروع لم ير النور، لكن معظم وقته يقضيه إلى جانب مغني الشعبي الأسطوري عمار الزاهي، يرافقه في الميزان، ويكتب له بعض القصائد·· ومولود؟! تلك الشخصية ذات الصوت المبحوح، إختفى عن المسرح منذ وفاة كاتب ياسين، عاد إلى مسقط رأسه بمنطقة القبائل ولاذ بالصمت·· مثل دور هتلر في ''حرب الألفي سنة'' سألته عندما التقيته منذ سنة بتيفزيرت عن المسرح، قال لي أنه عاد من جديد إلى مسرح تيزي وزو، هو يشتغل الآن في الجانب الفني إلى جانب مديرة المسرح فوزية آيت الحاج·· لازال مولود صاحب البشرة البيضاء والقامة الطويلة يحتفظ بكل الشظايا لتلك السنوات المجنونة·· لا زال بحوزته ذلك التسجيل للقاءات التي جمعت بين كاتب ياسين وشيخ أغنية الشعبي الحاج العنقا بباريس أثناء الدورة ''لمحمد خذ حقيبتك'' بفرنسا واصل حسن عسوس في الثمانينيات حياته في المسرح كممثل للريبرتوار الياسيني، لكنه أيضا مثل في مسرحيات أخرى على ركح مسرح سيدي بلعباس، مثل ''الجلسة المرفوعة'' لمحمد بختي، واشتغل كمساعد مخرج ومخرج في مسرحيات ''علال الدونجي'' التي ألفها وأخرجها مالك الدين كاتب في العام 1984 بمسرح سيدي بلعباس بعد لقاء بين أبناء العم ياسين ومالك الدين بالجزائر العاصمة، وعرض ياسين على مالك أن يقدم عمله الذي كان من المفترض أن يقدم بالمسرح الوطني، بالمسرح الجهوي لسيدي بلعباس و''مسحوق الذكاء''، وأخيرا ''شظايا'' المقتبسة عن مسرحية كاتب ياسين ''الجثة المطوقة''·· في العام ,1992 كان الشرخ عنيفا في صلب فرقة ياسين·· كانت الجزائر تعيش لحظتها التراجيدية الحقيقية·· كان المثقفون يغتالون كل يوم·· والناس المغمورون أيضا·· حزم الكثير من المثقفين والفنانين حقائبهم وهاجروا·· كان الموت يرين كعقبان الجثة المطوقة·· كنت أزور سيدي بلعباس، لا أخبار سوى أخبار القتل والموت والحرائق والتعذيب·· كنت ألتقي بحسن عسوس أمام مبنى المسرح الحزين، نجلس في المقهى المحاذي لمبنى المسرح·· هل ثمة من مجال لأن نتحدث عن المسرح؟! أجل، كان ثمة مجال لأن نتحدث عن المسرح وعن ياسين أيضا!! دعاني إلى منزله بلا بريمير وأراني نصا لعمر فطموش، كان رفقة رفيقته وزوجته فضيلة، والممثل أمير رفيق الطريق ومحمد المدعو ماريو، قال لي أنهم يريدون أن ينشئوا فرقة جديدة·· أجل، جديدة ومستقلة في قلب ذلك العالم الخرب، المليء بأخبار الموت والقتل والهجرة نحو الشمال·· وأسسوا الفرقة التي حملت عنوان ''لاماليف''، وعلى صعيد الغرافيك كانت تريد أن تقول وبقوة ''لا''، للخوف، للصمت وللتخلي عن الإرث الياسيني·· عمر فطموش، وهو أحد نشطاء المسرح الهاوي، جاء من برج منايل يحمل نصه الذي كان في البداية معنونا ب ''دودة القز'' ليتحول بعد النقاش إلى ''البسمة المجروحة'' والتي كانت أول عمل مسرحي لمسرح ''لاماليف''·· يقول لي حسن عسوس أن الفرقة حاولت أن تشكل فصلا جديدا في المسار المسرحي المستقل الذي بدأته فرقة مسرح البحر، ثم فرقة النشاط الثقافي للعمال، قدمت المسرحية طيلة العام 95 و,96 حوالي خمسين عرضا على طول وعرض الجزائر، كما شاركت في تجمعات ومهرجانات خارج الجزائر، في قرطاج بتونس، فرنسا، إيطاليا وإنجلترا·· وفي العام 2003 أصبح حسن عسوس على رأس المسرح الجهوي بسيدي بلعباس·· وكان التفكير تحويل هذا المسرح إلى قلعة جديدة للحساسيات الجديدة في المسرح، وعلى هذا الأساس كانت الانطلاقة بتأسيس ورشة تكوين أشرفت عليها الممثلة فضيلة، وحملت هذه الورشة إسم كاتب ياسين وكان عملها الأول ''نحييك يا نهار''.