هل ستلزم اللوائح السياسية لإجبارية التعليم، وزارة التربية الوطنية بتطبيق القوانين بداية من العام الجاري، وهل ستصبح تلك الإجراءات القانونية التي تأخر الوزير ''بن بوزيد'' في تطبيقها حتى أصبحت لوائح الأممالمتحدة تشير إلينا بالبنان، من اهتمامات كل قطاعات الدولة المعنية ومنها وزارة الداخلية والعدل، وهل سيستطيع بن بوزيد فعليا، ترميم ما تخلفت وزارته عن أدائه لأكثر من نصف قرن··؟ تساؤلات قد تفضي إلى حقيقة أساسية وهي معاقبة الأولياء الذين يمتنعون عن تسجيل أبنائهم في المدارس خاصة منهم البالغين للسن القانونية للتمدرس، فهي جنحة يعاقب عليها القانون، لكنها قبل ذلك هي جنحة تهاونت الإدارة في تنفيذها منذ عقود·· والتي لا تمكن العقاب من تحقيق الهدف، بدون أن تصبح المراقبة من ضمن مسؤوليات الدولة والمنتخبين في البلدية باعتبار أن الحق في التعليم حق أساسي مكفول من طرف الدولة نفسها لكل مواطن جزائري· وإذا كان السيد بن بوزيد، الوزير المخضرم، يريد حل مشكلة التهرب من التمدرس باللجوء إلى البوليس والعودة للقضاء، فإنه أكيد سيفشل، خاصة وأنه قد جرب ذلك من قبل وفشل فيه مع الأساتذة، مثلما فشل فيه عندما حاول معالجة مشكل التسرب المدرسي·· لأن عدم تمدرس التلاميذ، هو ظاهرة كثيرة الانتشار وتعمّ مختلف المناطق الفقيرة والنائية في البلاد، تلك المناطق التي عليه أن يباشر فيها أولا سياسة مرافقة لتفهم عزوف الأولياء والعمل على مساعدتهم في حل مشاكلهم المادية والمعنوية قبل مباشرته لتطبيق القانون·· فكلنا يعرف أن المناطق التي يكثر فيها تهرّب الأولياء من تسجيل أبنائهم في المدارس، هي المناطق الأكثر فقرا واتساعا وتزمتا، وذلك حسب الإحصائيات الأولية المسجلة من طرف الدولة سنويا. لقد كانت يومية ''الجزائر نيوز'' قد أشارت منذ أيام، إلى بدء وزارة التربية والتعليم في عملية إحصاء الأطفال البالغين سن القانونية للتمدرس، وذلك بالتعاون مع الجماعات المحلية، طبعا من خلال الرجوع إلى سجلات المواليد، وأفضت النتائج الأولية لعملية الإحصاء، إلى أن ولايات الجنوب وولايتي عين الدفلى والجلفة تتصدران القائمة، مما يفضي إلى أن غالبية الأولياء سيكونون محل استدعاء قضائي بداية من هذا الشهر (أكتوبر)·· لكن العجيب في الأمر أن وزارة التربية تقوم بالإحصاء في شهر أكتوبر، أي بعد شهرين من الدخول المدرسي، وكلنا يعرف بيروقراطية الإدراة، والله أعلم متى ستنتهي من العملية·· ربما عند نهاية السنة··؟ إن صعوبة تطبيق هذه الإجراءات واضحة للعيان، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية الخانقة التي يعيشها سكان القرى والمداشر، وكذا عدم استقرار بعضهم، لامتهانهم الرعي أو موسمية فلاحة الأرض، الذين هم في الغالب يعملون لصالح ملاك الأراضي والأغنام، مما يجعل منهم أناسا يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يضطرهم للتنقل من منطقة لأخرى رفقة أسرهم والبقاء لفترات طويلة في مناطق زراعية أو رعوية معزولة· وبالنظر إلى ظروفهم تلك، وضرورة توفير يد عاملة إضافية تساعدهم، وكذا الحاجة لجمع مردود أحسن، يحجمون عن تسجيل أبنائهم في المدارس التي تكلفهم كثيرا، ويلجأون إلى تشغيل أطفالهم معهم، فهم حتى وإن أرادوا أو استطاعوا تحمّل التكلفة، فإن المدارس غير متوفرة في تلك المناطق النائية·· ثم ماذا سيفعل السيد الوزير أمام مشكل النقل المدرسي الذي تعرفه هذه المناطق، فأطفال المناطق النائية والجبلية الباردة يعانون طوال فترة الشتاء من ذلك، ومع غياب مدارس داخلية للأطفال الصغار، لا يمكن الإلتحاق بمدارس تبعد عنهم بعشرات الكيلومترات ذهابا وإيابا في ظل غياب تام للنقل المدرسي، الذي كثيرا ما يعوض بمرافقات على الحمار، أو محاولات توقيف سيارات المارة لإيصالهم، فإذا كان هذا حال الذكور، فكيف يا ترى سيكون حال الإناث··؟ أم أن السيد بن بوزيد، سيقوم بما قام به أسلافه في عهد الراحل بومدين الذين أدخلوا هذا النوع من الأطفال إلى مدارس داخلية خاصة بهم··؟؟ من ناحية أخرى، أنا لا أعتقد أن الأولياء في هذا الوقت بالذات هم ضد تمدرس أبنائهم وعدم نجاحهم، على الأقل من أجل تحسين وضع أبنائهم المادي والمعنوي، وباعتقادي فإنه لو توفرت لهم الظروف، حتى مع جهلهم وعدم الاهتمام بمستقبل أبنائهم فهم لم يبيتوا حرمان أكبادهم من فرصة التعلم··؟ ومع ذلك، هل سيستطيع بن بوزيد في ظل هذه الظروف التي يعيشها سكان هذه المناطق، تنفيذ تهديده باللجوء إلى القضاء، ربما سينجح، لكنني أجزم بأنها ستكون فرصة للمحكمة لتطلع على الأسباب الحقيقية التي يعيشها الناس·· هذه الأسباب التي غابت عنها حافلات ولد عباس، وسقطت من برامج الترقية الفلاحية لوزارة الفلاحة، وكذا برامج التضامن الوطنية هذه سنين طويلة.. إن ظاهرة عدم تسجيل الأطفال قد لا تكون مخيفة، إلى درجة اللجوء إلى القوة العمومية والسبل القضائية، لأن الجزائر -حسب المصادر الرسمية- هي بالمقارنة مع دول أخرى، أحسن بكثير طبعا حسب نسبة التمدرس المصرح بها رسميا التي فاقت ال 90 بالمائة·· لكنها حقيقة تصطدم طولا وعرضا مع تقارير الأممالمتحدة حول الأمية في المنطقة العربية، التي ترتب الجزائر من بين ثلاث دول عربية في ذيل الترتيب أي مع مصر والمغرب، في حين ترتبها دوليا ضمن الستين دولة المصنفة في ذيل الترتيب، وبطبيعة الحال ليس كل هؤلاء الأميين هم من بقايا الاستعمار··؟ فما هو الرد الذي سيرد به على سياسة بن بوزيد، وما هي الأعذار التي سنواجه بها اللوائح الدولية، وما هي الأطر القانونية التي سوف يعتمد عليها في تطبيق إجراءات تأخرت عن الركب العالمي والعربي·· ربما ستكون عملية التحري في أسباب عزوف هذه الأسر عن تسجيل أبنائها، منطقية وتؤدي إلى حل إشكالات أخرى، وربما ستعدل أرقام ولد عباس حول الفقر والبطالة·· ولكنها لن تستطيع أن تغير العقليات التي تحرم الإناث من الالتحاق بالمدرسة بناء على معتقدات خاطئة وأعراف بالية، دون القيام بعملية تحسيسية داخل الأسرة وضمن المحيط العائلي والقبلي·