تحدثت فنانة الرقص الكوريغرافي، مسعودة إيدامي، في هذا الحوار عن تجربتها في الرقص، مؤكدة أن الفضل في مسيرتها الفنية يعود إلى الرقص الشعبي والفلكلوري إلى جانب تكوينها الأكاديمي· حققت الكثير من النجاح على صعيد الفن الكوريغرافي بشكل ملفت، حدثنا عن تجربتك؟ بدايتي الفنية كانت في سن مبكرة لم يكن عمري يتجاوز عشر سنوات حين كنت أرافق عمتي التي كانت تحيي الأعراس بالقرى المتواجدة بمنطقة القبائل كونها كانت راقصة ورئيسة فرقة غنائية، ولعل تلك الصورة الجميلة التي رسخت في مخيلتي جعلتني أتأثر إلى درجة الهوس باللوحات الفنية الراقصة التي كانت تنسجها في الحفلات، وبعدها قررت عن قناعة ممارسة الرقص خاصة وأنني كنت أملك القدرة على تطويره بأبعاده المختلفة، فمثلا حين التحقت خلال سنة 1967 بمعهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان ودرست فن الكوريغرافيا، أدركت جيدا أن التلقين الأكاديمي بالمعهد أضاف لي الكثير من التقنيات الحديثة والعلمية كنت أجهلها غير أنني لست ناكرة للمبادئ الأولى للرقص، فقد تعلمتها بفضل تجربتي في الأوساط الشعبية والفلكلورية التي كانت تقام بمداشر المنطقة التي انحدرت منها والشيء الذي لا يمكن أن أخفيه أن المدرسة الشعبية للرقص تملك طاقات فنية في رقص لا يستهان بها غير أنها تنقصها بعض التقنيات الحديثة للوصول إلى المستوى المطلوب، وإذا عدنا للحديث عن معهد برج الكيفان فإنه بعد تخرجي منه التحقت مباشرة بفرقة الرقص الشعبي الدفعة الثانية التي كانت موجودة بالمسرح الوطني واحتككنا أثناءها بالمجموعة الأولى وشاركنا في الكثير من المهرجانات الدولية ومثلنا الجزائر أحسن تمثيل، دون أن ننسى الجولات التي نشطناها عبر كافة التراب الوطني· إنتقلت من الرقص الفلكلوري إلى الكلاسيكي، كيف كانت رحلة الاكتشاف؟ قررت بعد النجاح الذي حققته كفنانة بالي تكريس جهودي لتطوير مهنتي حيث عملت على توسيع معارفي العلمية أكثر فأكثر من خلال استفادتي من تجارب وخبرات أجنبية في الفن الكوريغرافي من روسيا وفرنسا، إلى جانب ذلك تحصلت على كتب عالمية في التخصص، وفيما يخص غياب الفن الكوريغرافي بالمعهد ببرج الكيفان أرجعه إلى تدريس الكوريغرافيا كوحدة ضمن المنهج التدريسي وليس كتخصص، وأعتقد أن هذا الأخير يؤثر بشكل سلبي على الفن عامة، وبما أنني أؤمن إلى درجة الجنون بهذا الفن قررت بعد اشتغالي على ملحمة الجزائر التحول من الرقص إلى التكوين، فنحن في الجزائر في حاجة إلى الجمع بين الخبرة والعلم من أجل إعادة الاعتبار لتكوين الرقص، وقد وجدت بما أملكه من خبرة أنني قادرة على تكوين الشباب الصاعد وأشرفت على تكوين أعضاء الجمعية الثقافية ''تعابير الجزائر''، والشيء الجميل في الجمعية أنها تلقت ردود فعل إيجابية وانضم إليها الكثير من الشباب الموهوب، وأخذ صيتهم يذيع في كل المشاهد الثقافية، ويعتبر العمل الكوريغرافي روح أي عمل إبداعي حققنا به نجاح الفرقة، وكانت أحداث العرض تروي معاناة العشرية السوداء التي عرفتها البلاد. أما العمل الثاني كان بعنوان ''الشباب الناضج'' وكانت أحداثه هي الأخرى تتناول الظروف الاجتماعية القاهرة من خلال تسليطنا الضوء على ظاهرة الاغتصاب والتحرش الجنسي، إلى جانب ظاهرة الرشوة والفساد، وقد أحدثنا بفضل عملنا المتجانس ضجة كبيرة، الشيء الذي دفعنا للقيام بجولات في العديد من البلدان الأوروبية ومنها إسبانيا، ومن ثمة طورت عملي الكوريغرافي بفضل الموهبة وتعاملي الجاد مع أساتذة أجانب وجزائريين· ما هو العمل الكوريغرافي الذي ساعدك على تحقيق النجاح؟ سبق لي القول أن معظم الأعمال التي أنجزتها وحققت لي شهرة ونجاحا لكوني أؤمن بإتقان العمل مهما كان حجمه، غير أن العمل الذي ظل راسخا في ذاكرتي هو ''عروس المطر'' لمسرح باتنة حيث أعتبره أول عمل كوريغرافي متكامل من ناحية الإخراج والسنوغرافيا، ودليل ذلك أنه أحدث ضجة عارمة في الوسط الفني الجزائري، إلى جانب ذلك فإن عمل ''تنهينان'' الذي أنجزته الفرقة مؤخرا هو الآخر وصل إلى قمة الفرجة والإبداع، لكن هذه المرة عملت على تغيير التقنية حيث بدأت من نهاية الأسطورة مرورا بالأحداث التي واجهتها المرأة الرمز وصولا إلى تربعها على عرش التوارف، وكل ذلك تم بلغة الجسد وبإدخال بعض التقنيات الحديثة كالصوت والموسيقى والتنوع في الإضاءة· برأيك، لماذا لا توجد في الجزائر مدارس لتعليم الرقص الكلاسيكي؟ فكرت أكثر من مرة في إنشاء مدرسة لتعليم الرقص الكلاسيكي، لكن للأسف الإمكانيات لا تسمح كما أنه لا توجد سياسة ثقافية بالجزائر موجهة لتعليم الفن الكوريغرافي، لكن ما أشهد به بحكم تخصصي أن الجزائر تملك طاقات ومواهب رائعة غير أنها لم تتلق الدعم المادي والمعنوي، فالعقليات والذهنيات ما تزال تنظر إلى الرقص على أنه ''عيب''، لا تهمنا تلك التجارب عبر العالم والتي جعلت من الرقص علما يدرس في الجامعات العريقة والمرموقة، المثير أننا نملك تراثا راقصا هاما وغنيا غير أنه منسي وغير مستغل·