بغض النظر عن الموقف من حركة يوليو ,1952 وهل هي ثورة أم انقلاب عسكري ضد الملك فاروق، فإن تلك المحطة كانت مفصلية في تاريخ مصر المعاصر، وأصبح تاريخ البلاد من خلالها يصنف بما قبل ''الثورة'' وما بعد ''الثورة''. وقد انتبه للأمر كاتب بحجم نجيب محفوظ، توقف بعدها عن الكتابة الروائية مدة سنين، ليس خوفا ولم يكن الأمر موقفا سياسيا منه، بقدر ما كان يتعلق برغبته ككاتب حقيقي في استيعاب المرحلة التاريخية الجديدة لبلده، وعندما عاد إلى الكتابة الروائية من جديد، كتب بشكل مختلف تماما وأبدع روايات من قبيل ''ثرثرة فوق النيل'' و''ميرامار'' و''الكرنك''... وغيرها. كان ذلك في زمن الانقلابات العسكرية التي صنعت المشهد العربي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. ومع الثورات الشعبية غير المسبوقة في العالم العربي مع بداية السنة الجديدة هذه، يبدو الأمر أكثر اختلافا ونحن بالفعل نشهد نهاية مرحلة تاريخية تمتد إلى قرون وبداية مرحلة جديدة مختلفة تماما، بدأت إرهاصاتها الأولى مع نجاح الثورة الشعبية في تونس وبداية تحوّل الانتفاضة المصرية إلى ثورة حقيقية. ونحن نتابع المشهد التونسي لما بعد بن علي من خلال الفضائيات، ندرك أن نخبة فكرية وسياسية جديدة هي الآن في طور التشكل، بعد أن تسبب النظام السابق في حالة من العقم الشديد وكل ممثلي الأطياف السياسية والفكرية هم الآن في مرحلة الشيخوخة، وهم بالأساس من نتاج المرحلة شبه اللبيرالية التي كانت سائدة قبل الانقلابات العسكرية في العالم العربي. ويبدو أن الروائيين والمفكرين الحقيقيين الآن في حالة سماع لنبض الشارع الجديد، من أجل البدء في نتاج ثقافي قد يأتي بعد سنين من الآن.