بكثير من التشاؤم، يتحدث العمري كعوان، صاحب الأعمال المسرحية الجريئة، عن واقع المسرح الجزائري، مسلطا الأضواء على أعماله التي لم تلق دعم السلطات، رغم أنها مثّلت الجزائر في أكثر من مرة بدول أوربية وعربية. كما ناشد كعوان السلطات المعنية رد الاعتبار للمسرحي الجزائري، كونه طاقة لا يستهان بها. بعد ثلاثين سنة من الخشبة، كيف ترى واقع المسرح بالجزائر؟ الحركة المسرحية بالجزائر تعيش ظاهرة المد والجزر، ولا يمكننا إخفاء ذلك أو التستر عليه، والدليل أن المشهد المسرحي الجزائري يعيش حالة من الانقسام، هناك مسرح يسيّره مسؤولون هم في حقيقة الأمر أعداء للفن، فهم أشخاص يملكون صلاحيات واسعة في إنتاج المسرحيات التي تخدم مصالحهم، ويتجسد ذلك في الإخراج المسرحي الذي يشهد نوعا من التقييد، إلى جانب التوزيع غير العادل للأدوار على الممثلين. نصوص المسرحية هي الأخرى تخضع للرقابة، والأعمال المسرحية السياسية تُرفض رفضا مطلقا... كل هذا يدل على أن المسرح بالجزائر لا يملك حرية الطرح واختيار مواضيعه. هذا لا يمنع من أن هناك شريحة أخرى من الفنانين الأوفياء للفن يصارعون من أجل البقاء، وهؤلاء يدخلون في زمرة الفنانين الأحرار الذين يقتاتون من الهدايا وهبات الآخرين، إنهم يعيشون على التسوّل، وأنا أعتبر نفسي واحدا منهم، فمنذ أن وطأت عالم المسرح لم أتلق دعم الدولة وأجهل الأسباب. هذا ما يجعلك ثائر على الوضع؟ أجل هذا صحيح، أشعر أنني مظلوم في بلدي، ولا أملك أي حق. كيف لفنان خدم المسرح الجزائري ما يقارب ثلاثين سنة يجد نفسه يحوم في دائرة مفرغة؟ تقريبا كل أعمالي المسرحية صرفت عليها من مالي الخاص ومرات أخرى أسترزق من أعمالي لتلبية حاجيات عائلتي. الغريب في الأمر أنني مثّلت الجزائر في أكثر من مهرجان دولي، تحصلت على الجائزة الأولى بالمهرجان العالمي للمونولوج بإسبانيا سنة ,2002 غير أن الجهات الوصية تجاهلتني ولا أدري ما الأسباب؟ أعتقد أن ذلك يبرر ثورتي ضد الوضع غير المقبول وأناشد الجهات المسؤولة أن تحاورنا عن هذا الوضع، وعليها أن تطبق ما أمر به رئيس الجمهورية، عليهم ألا يستهينوا بالفنان. أعلنت وزيرة الثقافة خليدة تومي، مؤخرا، عن مشاركة 1000 فنان جزائري في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، هل سيكون لك نصيب في ذلك؟ أبدا، لم أسمع بذلك مطلقا، إنني لم أشارك، لا في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ولا بتظاهرة سنة الثقافة الجزائرية بباريس، ولا بتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ربما سيكون لديّ الحظ في المشاركة في السنة الشعبية. حققت أعمالك المسرحية شعبية كبيرة، غير أنها لا تبث في التلفزيون، ما أسباب ذلك؟ أجهل الأسباب، كما سبق لي الحديث، فمثلا مونولوج ''جن وبلعطوه'' شهد أكثر من 794 عرض داخل وخارج الوطن، وصور بالتلفزيون الجزائري، غير أنه لم يعرض إلى يومنا هذا، والغريب في الأمر أن هناك أعمالا مسرحية تعرض على التلفزيون لا تقل مستوى عن عروضي. أعمالك المسرحية فيها كثير من الجرأة، ''شكون قال الساسي ما يلعبش''، ''جن وبلعطوه''، ''الزواج الأكاديمي''، ما دافعك من وراء ذلك؟ الحقيقة عادية، وليس هناك ما يدعو لوصفها بالجرأة، إنما الطرح يتناول الأمور بطريقة عميقة تحمل الكثير من الدلالات والإيحاءات الدالة على الواقع المعيش. أحاول، من خلال أعمالي، أن أضع بعض الإسقاطات على الواقع، وهذا لا يعني أنني متمرد، إنما هو لوم المسؤولين الذين تغافلوا عناّ وعن مجهوداتنا. أغتنم الفرصة لأناشد السيدة الأولى المسؤولة عن قطاع الثقافة، أن تنزل إلى الميدان وتتحقق من الوضع الذي تسير عليه المؤسسات الثقافية، فهناك مرافق ثقافية موجودة، لكن الحراك الثقافي غائب ونجهل أسباب ذلك. مونولوج ''وردة'' الذي أخرجته، مؤخرا، يشبه إلى حد بعيد مونولوج ''فاطمة'' لامحمد بن قطاف، ما تفسيرك لذلك؟ لا أعتقد ذلك، فمونولوج ''وردة'' يحكي قصة امرأة خريجة معهد الفنون الدرامية، التحقت بالمسرح لتشتغل عاملة نظافة، ومن خلال عرضها تخرج الغسيل الوسخ الموجود بداخل المؤسسة الثقافية، عكس مونولوج فاطمة -تماما- الذي يتحدث بصفة عامة عن ظلم المجتمع للمرأة. وجه التشابه في المونولوج لا يعدو أن وردة وفاطمة تشتغلان عاملة النظافة. في إحدى تصريحاتك قلت إن الأدوار المسرحية موزعة على جميع الأشخاص إلا الفنانين، ماذا تقصد؟ أجل هذا صحيح. ما يلاحظ، في بعض الأحيان، أن الأعمال الفنية موزعة على جميع الأشخاص الذين لا تربطهم علاقة بالفن ماعدا الفنانين. للأسف، الفن بالجزائر أصبح متوارثا. تشاهد مسلسلا جزائريا يشدك في الجنريك، وجود أكثر من شخصين من نفس العائلة، كيف لفنان يقدم الجودة للمشاهد وهو بدوره لا يملك مؤهلات الإبداع؟ إلى متى يبقى بعض الفنانين الجزائريين يعيشون في ظل التهميش والمعاناة؟ كنت مسؤولا عن القطاع الثقافي بولاية سطيف، لماذا تخليت عنه؟ لم أتخل عنه، إنما أقالوني، بعد أن نقل والي الولاية الذي كان يدعمني -معنويا- إلى ولاية أخرى، وهكذا انقلبت الأمور. ما يحزنني أن ولاية سطيف تعتبر ثاني ولاية بالجزائر، غير أن مشهدها الثقافي يعيش ركودا، وهذا رغم الطاقات الإبداعية الموجودة لدى شبابها. ما أؤكده أن الطاقات المسرحية لا يمكن أن يستهان بها، ولابد من توفير الجو الملائم لها، فمثلا عدم الاستقرار الموجود في معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان سيؤثر سلبا على مستقبل الطلبة. برأيك الفنان الجزائري راضٍ عن وضعيته؟ هناك شريحة من الفنانين بالجزائر تعيش أوضاعا اجتماعية كارثية، معظمنا يفتقر لأدنى شروط الحياة ومنا من يعاني في صمت، وآخرون فضّلوا الموت في صمت، بعيدا عن الأضواء، رغم أنهم أفنوا أعمارهم في خدمة الفن الجزائري، في حين آخرون فضّلوا الهجرة والهروب من الواقع المرير بدل الرضوخ إلى حياة الذل الهوان. الشيء المحزن الذي يؤرقني أننا في الجزائر نملك طاقات شبابية رائعة ومخرجين ذوي مستوى عال، ومسارح، غير أن البعض منّا يعيش تحت وطأة الحرة والتهميش، وحتى أكون عضوا فعالا في مجتمعي، لابد من الاستفادة من الدعم والتوزيع العادل، لكن أن أهمش في بلدي فأنا أرفض ذلك.