لم يفصل أكثر من 20 ساعة بين قرار الرئيس المصري حسني مبارك تفويض نائبه عمر سليمان صلاحيات رئيس الجمهورية وفقا لما تقتضيه أحكام الدستور (المادة 82)، وبين إعلانه التنحي عن رئاسة الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد· لقد طرح الظرف الذي فوض فيه الرئيس مبارك صلاحياته إشكالا هاما بشأن تعذر ممارسة صلاحياته رئيسا للجمهورية، هل الأمر يتعلق بمانع مؤقت أم دائم؟ المادة 82 من الدستور المصري تنص على أنه ''إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه· ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة''· ووجه الإشكال، أن تفويض الصلاحيات لم يحدد هذا المانع أو الموانع التي اقتضته· وحتى وإن كان نص المادة 82 لا يشير إلى ضرورة تحديدها، إلا أن منطق الأشياء يحتم تحديدها، لأن هذا التحديد هو الذي يبين ما إذا كان الأمر يتعلق بمانع مؤقت، بما يجعل استعادة مبارك لصلاحياته الرئاسية أمرا أكثر من وارد، على الرغم من قصر ما تبقى من العهدة· وهو ما يبرر استمرار الشارع المصري في احتجاجه واعتصامه، أو أن المانع دائم، بدليل مغادرة مبارك وعائلته القاهرة، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بشغور غير معلن لمنصب رئيس الجمهورية· وفي هذه الحالة، فإن التكييف الدستوري يحيل إلى المادة 84 التي تنص على أنه في ''حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة .82 ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس الجمهورية· ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة ''· بمنطق الدستور، فإن ما أقدم عليه حسني مبارك ليلة أول أمس قبل أن يغادر عاصمة الحكم، كان بهدف أن يكفل لنفسه تحويل وجهة الاحتجاج ومطالب الشارع المصري في ميدان التحرير ومدن مصرية أخرى التي أنهكته على مدى 18 يوما، نحو وجهة أخرى غير وجهته، أي نحو نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان الذي أصبحت مقاليد تسيير البلاد بين يديه· يبدو أن نائب الرئيس المصري عمر سليمان لم يكن على استعداد لمواجهة مثل هذه المهمة الصعبة شارعا منتفضا مصرا على ألا يغادر ميدان التحرير ويدخل البيت حتى يخرج الرئيس مبارك ويغادر الرئاسة، يضاف إليه ملامح تململ بدأ يعتري موقف الجيش، وضغوط من الخارج بضرورة التعجيل بنقل سلمي سلس للسلطة· كلها أمور دفعت إلى التعجيل لتنحية الرئيس حسني مبارك، بالشكل الذي يفتح تطورات الوضع في مصر على أحداث وآفاق جديدة· غير أن المشكلة ستطرح الآن بعد تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، إذ لا وجود في نص الدستور أية إحالة على حالة مثل هذه، ولا يتضمن في كامل نصه لفظة جيش· ومن ثمة يطرح السؤال: من سيشرف على رئاسة البلاد؟ وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي؟ أم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيحول قيادة البلاد إلى رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة العليا الدستورية، استنادا إلى المادة 84 من الدستور التي تبررها حالة الشغور التام لمنصب رئيس الجمهورية، وبالتالي تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في ظرف لا يتعدى 60 يوما؟ وحتى في هذه الحالة لا يمكن تنظيم انتخابات رئاسية في ظرف شهرين، كون الوقت ضيق جدا لتعديل الدستور، خاصة في المواد المتعلقة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية وتحديد العهدات الرئاسية في عهدتين وإعادة دور القضاء في مراقبة الانتخابات، وقبل كل ذلك إلغاء حالة الطوارئ· وإن كان فقهاء القانون الدستوري في مصر يقولون إن هذه التعديلات لا تتطلب أكثر من ساعات·