لماذا تراجعت حركة التأليف المسرحي بالجزائر لصالح الترجمة والاقتباس، وماهي المبررات الأدبية والفنية لطغيان ظاهرة الاقتباس في المسرح الجزائري الجديد، ولماذا صار كتّاب المسرح يهاجرون بالتدريج إلى كتابة الحوارات للسينما والتلفزيون، هل رغبة في صقل مواهبهم وتنويع مجالات اشتغالهم أم بحثا عن الكسب بعدما تراجعت سوق المسرح وتقلص جمهوره· هي الأسئلة والاستفهامات التي طرحت للجدل والنقاش على هامش المهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف بعنابة عبر مداخلات تناول في أولها الدكتور نور الدين عمرون جانبا من إشكالية النص المسرحي بين التأليف والاقتباس وفيه تطرق لماهية النص المسرحي كفضاء وسيرة ذاتية ذات صلة مباشرة بالفاعل المسرحي انطلاقا من الممثل الذي يعد الرجل الأول، مرورا بباقي الفاعلين في العمل، وصولا إلى المخرج الذي يعتبر سيد الركح، وكيف يجب أن يتم الربط بين جميع هذه العناصر وخلق سلسلة متكاملة تستطيع تحويل السرد إلى حوار مستنبط من رواية أو قصة عادة ما تكون خرافية، لكن إيصال رسالتها والمغزى منها إلى الجمهور يجب أن يسقط على واقع معيش تكسر فيها التراجيديا بالهزل حتى يكون ذو فائدة يرجى منها إحداث التغيير مع التركيز على الحوار الدرامي ودون المساس بالمعايير المعروفة في أي عمل كامل، التي تبدأ بالنص المسرحي أيا كان مصدره وصولا إلى مرحلة الحركة والتجسيد· من جهته، طرح الدكتور دريس قرقيوة من جامعة سيدي بلعباس في محاضرته إشكالية الجوانب والظروف المتعلقة بالاقتباس وفن التأليف وسبل الخلاص من فكرة أن الإدارة هي التي أخذت مبادرة الاقتباس لإشباع الاحتياجات المادية التي عجز عن سدها الكتاب المحليون، وهو ما نفاه أهل الاختصاص بعد فتح المجال للمناقشة، وقد تقدمهم الكاتب الإعلامي بن عاشور بوزيان الذي أوضح أن مثل هذا التفكير خاطئ وأن الاقتباس المسرحي أمر متعارف عليه عالميا وأن المشكل يبقى في الظواهر الدخيلة التي أصبحت تحكم المسرح الجزائري، وتأتي على رأسها هروب كتاب المسرح إلى كتابة الحوارات للسينما والتلفزيون في ظل الانغلاق الذي تفرضه الجهات الوصية واقتصار منح الفرصة لأشخاص يعدون على الأصابع وعادة ما تتردد أسماؤهم في كل الأعمال وكأنهم الوحيدون الموجودون في البلد· هذا، وقد خلص المحاضرون إلى جملة من الأسباب رأوا بأنها هي التي خلقت إشكالية النص المسرحي المعتمد حاليا، وتأتي في مقدمتها عدم معايشة الكتاب المسرحيين في الجزائر لما هو حاصل من تطور وتراكم نصي وفكري، إلى جانب غياب التكوين والاطلاع عن كثب على الأعمال المترجمة، ما يجعل عادة الكتابة المسرحية محدودة الطرح والجوانب وتفقد صلتها بالجمهور قبل أن تعرض عليه، لأنها تكون بعيدة عن التحوّلات الاجتماعية والسياسية، يضاف إلى ذلك قلة الوسائل والإمكانيات، ناهيك عن غياب الدراسات النقدية وعدم إعطاء أهمية للموجودة منها، وبالتالي الكاتب لا يجد من سبيل سوى الهجرة لمجال آخر على الأقل يضمن فيه أن ما سيؤلفه سيخرج وسيتقاضى مقابله، عكس المسرح الذي يبقى حكرا على فئة قليلة تُحكم السيطرة عليه بالطول والعرض·