اغتنمت فرقة طليعة روح الأدب المسرحي لمدينة عين الصفراء، فرصة مشاركتها في أيام مسرح الجنوب، لتقدم العرض الشرفي لمسرحية ''النابت'' لمخرجها عبد القادر جناح، فكانت آخر عمل يعرض في إطار هذه الفعالية، التي أسدلت الستار عليها سهرة أمس الأحد· بلغة شعرية ملحونة اختار المخرج والممثل ومؤلف النص عبد القادر جناح، أن يروي للحضور ما حدث ل ''النابت'' الذي عاد إلى قريته ليقف على الخراب الذي طال الحياة والناس هناك، ف ''النابت''، الذي تقمص دوره بوعرفة نور الدين، هو شخصية تصلح أن تنطبق على الرجل والمرأة في عالم التغير السريع، حيث يفقد المرء معالمه، ويتحول هدوءه إلى صخب، وسكينته إلى فوضى· ''النابت'' أيضا حسب الراوي عبد القادر، هو صراع الأصالة والحداثة، ساعات الحرب بساعات السلم، هو الولي الصالح الذي يبعثر خصائصه قبالة نفسية الصدام، وبتعبير الكاتب، المسرحية هي ''رواية ملحمية، وتحليل لواقع الشريحة الشبابية في عالم طغى عليه جنون العولمة الهمجية المبنية على ثقافة الإجرام والحروب والظلامية''· وسط ديكور متنوع المشاهد، جميل في تجسيده، عن فكرة عزالدين بالشيخ خريج مدرسة الفنون الجميلة، الذي وفق إلى حد بعيد في تصوير عناصر الديكور، التي كانت عبارة عن بئر وحائطين انهارت أجزاءهما، إضافة إلى بقايا قلعة ومقام ولي صالح، كلها بألوان ترابية أصيلة المنطقة، توزعت على الجهات الأربع للخشبة، ما جعلها محتلة عن كاملها· تحرك الثلاثي عبد القادر جناح، نور الدين بوعرفة ورفيق جناح، فحاموا على الأطلال، بعيون شاخصة تبحث عن دليل قاطع لوجود استمرارية في العيش· لم يكن عسيرا على الحضور أن يفهموا أن العرض يشتغل وفق مبدأ الحلقة، لأن النص شعري مقفى وفيه الكثير من السجع وكذا الرمزية في الخطاب، حيث يحكي كل واحد من الممثلين، عما وقع ل ''النابت''· رغم جمال النص، إلا أن المجموعة سقطت في فخ الخلفية الموسيقية التي اختارها المخرج لمرافقة الرواية، فقد تغلبت القيثار على أصوات الممثلين، التي كانت ضعيفة جدا أمام صدى الآلة، وسريعا بدأ التعب عليهم، رغم محاولتهم السيطرة على الجمهور الذي تدبدت أفكاره بين موسيقى سغواني عبد الكريم ومحاولة فهم القصة· إذا كان بوعرفة ورفيق جناح، قد أظهرا بوادر في التقمص، فإن عبد القادر بدأ في غير مكانه، وقد يكون لذلك علاقة بالمهام الكثيرة التي كلف نفسه بها، إذ كان يمكن أن يترك دوره لعنصر ثالث شاب، يتحرك بسهولة في الخشبة· وقد استغرب الحضور طريقة مشي الممثلين على الخشبة، والتي كانت بطيئة للغاية ومقصودة، ما انجر عنه رتابة في العمل· من جهته اعتبر المخرج أنه نجح في تجسيد الشخصية الفنية بإلمامه بفن الإخراج والتمثيل والكتابة وتدوين الشعر وحتى التلحين والإضاءة· وقد دافع في نقاشه مع الحضور على نصه فقال أنه نص رمزي بامتياز، متهما رفاقه بعدم فهم رسالته، متجاوزا حدود اللياقة والتواضع المفروضين على أي مبدع هاو أو محترف· ونفى عبد القادر جناح أن يكون ما قدمه بقاعة مغنية هو حلقة، ودعوته للجمهور إلى الاقتراب منه، هي شبيهة بدعوة القوال الذي يحرص على جمع أكبر عدد من المشاهدين، مؤكدا أن الحلقة لا يمكن أن تلعب في مكان مغلق، وأن من يفعل ذلك هو يكذب على نفسه· علما أن جناح يقول أنه اشتغل كثيرا مع الراحلين عبد القادر علولة وكاتب ياسين، وتعلم المسرح وجمالياته منهما·