مرت اليوم 20 سنة على وقف المسار الانتخابي لأول انتخابات تشريعية تعددية جاءت بها الإصلاحات السياسية التي أعقبت انتفاضة الخامس من أكتوبر .1988 وبالقدر الذي كان توقيف المسار الانتخابي منعطفا هاما في حياة وتاريخ الجزائر، وأدخلها حماما من الدم وعشرية من الأزمة مازالت تبعاتها قائمة إلى اليوم، بالقدر الذي تأتي ذكراه في ظرف وطني وإقليمي دفع البعض إلى القول إن المواعيد الانتخابية المقبلة مواعيد لتحقيق ربيع الإسلاميين· بعد 20 سنة من وقف المسار الانتخابي تعيش البلاد، بفعل الإصلاحات السياسية التي أعلنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، غليانا سياسيا يشبه إلى حد كبير الغليان السياسي الذي أعقب الإصلاحات السياسية· وكأن الجزائريين اكتشفوا التعددية السياسية من جديد، بدليل هذا التسابق المحموم على إنشاء أحزاب سياسية بلغ عددها إلى حد الآن قرابة ال 15 حزبا· وكأنهم -أيضا- اكتشفوا الأحزاب السياسية الإسلامية لأول مرة، بدليل هذا النقاش المحموم عن احتمالات وصول الإسلاميين إلى السلطة· عمليا الأحزاب الإسلامية موجودة في السلطة منذ تشريعيات ,1997 ممثلة في حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح· وبغض النظر عن مدى وزنها داخل السلطة، فإنها كانت ضمن اللعبة السياسية، وليس أدل على ذلك من أن حركة مجتمع السلم أكبر حزب إسلامي في البلاد بعد حل الفيس دخل الحكومة بعدد من الوزراء ودخل تحالفا رئاسيا مع حزبين يعتبران إلى اليوم الوجه السياسي للنظام· المسألة إذن ليست في الحزب الإسلامي واحتمالات وصوله إلى السلطة بقدر ما هي في القاعدة النضالية للتيار الإسلامي ومدى إمكانية تجنيد الأحزاب السياسية الإسلامية له· لذلك يعود النقاش، بعد 20 سنة، يروج له البعض وينساق إليه البعض الآخر من أن هناك وعاء انتخابيا إسلاميا هو تركة ''الفيس المحل'' يمكن أن تضخ منه الأحزاب السياسية لدعم حظوظها في سباقات الاستحقاقات القادمة· هل فعلا مازال هذا الوعاء الانتخابي قائما إلى اليوم؟ إلى أي مدى كان محقا عميد السياسيين في الجزائر والأمين العام الأسبق عبد الحميد مهري حينما قال يوما ''إنه بعد 10 سنوات سيكون هناك من ينتخب على الفيس''؟ هل فعلا لم تغير العشرون سنة أزمة شيئا من الجزائر ومن الجزائريين؟ في أحداث الزيت والسكر التي اجتاحت الشارع الجزائري في جانفي الماضي والتي حاول البعض استغلالها لصالحه، تحرك الرقم الثاني في الفيس المحل علي بن حاج إلى منطقتين كانتا إحدى أكبر معاقل الفيس المحل، باب الوادي والقبة، وفي كلا التنقلين قوبل علي بن حاج بالاحتجاج وطلب منه مغادرة المكان· قبلها بسنوات تحرك الإسلاميون في نكبتين كبيرتين هما زلزال بومرداس في 2003 وفيضانات باب الوادي في ,2001 وحاولوا العودة إلى الواجهة من خلال النشاط ولم يلقوا الترحيب والصدى القديم· كيف عاد النقاش مرة أخرى عن وعاء انتخابي، يروج أنه كان نائما طيلة 20 سنة، وصحا وهو ينتظر من يلبس عباءة الفيس المحل بعد أن يعاد صبغها؟ ما أشبه اليوم البارحة·