عندما يقول قيادي في حزب أن عدد مناضليه ''قضية داخلية''، ويعجز آخرون عن إعطاء أرقام ولو تقريبية، فإن الأمر يشير إلى أن الأحزاب عندنا تكاد تكون بلا قاعدة جماهيرية، وحتى عندما يحاول ''الحزب العتيد'' استعراض عضلاته أمام غيره، فإن الرقم الذي قدّمه بخصوص عدد المنخرطين (400 ألف مناضل) هو رقم ضحل بكل المقاييس لحزب احتكر الساحة السياسية زمنا طويلا ووصل إلى حد إجبار الإطارات السامية للدولة على حمل بطاقة الانخراط فيها (المادة 120 سيئة الذكر)· إنها الفراغ الكبير الذي تعاني منه الأحزاب السياسية، ليس فراغا من ناحية قوة التجنيد وتجديد القواعد فقط، بل من حيث آليات العمل، حيث أن معظم الأحزاب لا تمتلك بطاقيات وطنية ولا حتى قواعد بيانية، وما يزال بعضها يجهل أبسط قواعد الاتصال الرقمي الحديث والبعض ما زال يصوغ بياناته السياسية ويكتبها بخط اليد· والأحزاب التي يتكلم ناطقوها الرسميون وغير الرسميين بلغة غير لغة الأرقام عند الحديث عن عدد مؤيديها، تعجز في كثير من الحالات عن جمع بضع مئات من المؤيدين بمناسبة التجمعات ''الشعبية''، إلى درجة يضطر التقنيون التلفزيونيون المرافقون إلى ابتكار وضعيات خاصة جدا للتصوير حتى لا ينكشف فراغ تلك القاعات التي يفترض أن تكون مملوءة عن آخرها بالمناضلين، ويصبح زعيم الحزب تحت تصرف المخرج التلفزيوني يفرض عليه المكان المناسب الذي يضع فيه منصته· وبعد كل هذا، وفي ظل عجز الأحزاب في معظمها عن التجنيد وتجديد القواعد النضالية، في ظل خواء الخطاب السياسي الذي لم يتجدد ولم يعد يخاطب الأجيال الجديد بهمومها واهتماماتها الجديدة، تبقى السلطات العمومية في ورطة كبيرة وهي تعمل على رفع نسب المشاركة في الانتخابات بكل الوسائل، بما فيها ''توعية المواطنين'' عن طريق الرسائل النصية القصيرة (الأس أم أس) كما فعلت مؤخرا وزارة الداخلية، وعن طريق استخدام خطباء المساجد الذين أمرتهم وزارة غلام الله ب ''توعية'' المواطنين ودعوتهم للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة·