إذا اعتمدنا على المعادلة المعروفة التي يشكل أطرافها المعنيون بأمر المواد الاستهلاكية على منوال البطاطا والذين يرتبون حسب تسلسل منطقي انطلاقا من المنتج ومرورا بتاجر الجملة وانتهاء بتاجر التجزئة، يمكن حصر ما تعرفه أسعار بعض المواد الاستهلاكية وعلى رأسها البطاطا، حيث لا تخرج عن الثلاثة أطراف التي تساهم في وصولها إلى السوق، وبالتالي إلى المواطن. وبديهي جدا أن الاختلال في الأسعار من خلال ارتفاعها أو انخفاضها يعود أساسا إلى الممارسات التي تصدر من أحد أطراف المعادلة، بالإضافة طبعا إلى عوامل أخرى موضوعية تساهم في تحديد الأسعار. وإذا اعتمدنا على الأوضاع التي تعرفها سوق المواد الاستهلاكية من الخضر والفواكه والأسعار التي تميز بعضها مثل البطاطا، فإن خلفيات ارتفاعها المستمر لها ما يبررها حسب ما سمعناه من بعض تجار التجزئة الذين حدثونا عن أسعار البطاطا المعروضة كل صباح في أسواق الجملة، وهو ما حاول أحد التجار تفسيره لنا بعملية حسابية بسيطة يقول هذا التاجر ''نحن كتجار تجزئة في احتكاك مستمر مع المواطنين، وفي ظل ارتفاع سعر البطاطا الذي فاق في بعض الأسواق سعر ال 90 دج، لم نتمكن من إقناع هذا المواطن بأن وصول البطاطا إلى هذا السعر يعود إلى ارتفاعها الكبير في سوق الجملة، تصور بأنه خلال الثلاثة أيام الماضية بيعت البطاطا في سوق الجملة ب 75 دج و80 دج للكيلوغرام، ونحن لا حول ولا قوة لنا في ارتفاعها في سوق التجزئة، لأنه لابد من تحقيق هامش الربح حتى وإن كان ضئيلا، وبالتالي فإن وصول البطاطا إلى حدود ال90 دج نعتبره نحن التجار أمرا عاديا بالنظر إلى غلائها في أسواق الجملة''. بهذه الكلمات المنطقية فسر لنا هذا التاجر الوضع غير المنطقي لأسعار البطاطا اليوم، ولعل ما جعلنا نصدق ما ذهب إليه هذا التاجر هو أن السواد الأعظم من التجار الذين تحدثنا معهم فسروا لنا الظاهرة على نفس المنوال. تجار التجزئة يتبرأون ومن بين الأسباب والعوامل الأخرى التي ساهمت بقسط كبير في غلاء مادة البطاطا، يمكن الاشارة إلى التقلبات الجوية التي عرفتها بلادنا خلال شهر فيفري ومارس خاصة بالنسبة للثلوج والفيضانات التي اجتاحت بعض المناطق المعروفة بإنتاج البطاطا على سبيل المثال عين الدفلى، وهو ما حاول أحد التجار تفسيره لنا ''عندما نقصد أسواق الجملة عادة يكون لدينا اختيارين فيما يتعلق بالبطاطا، فإما أن نشتري النوعية الجيدة والقادمة أساسا من مدينة الوادي التي تغرس في التراب أو شراء نوعية غير جيدة وأقصد تلك التي تنتج في عين الدفلى ومناطق أخرى التي تغرس في الطين، ولكي نتجنب الخسارة نلجأ عادة إلى شراء بطاطا الوادي، لأن ما يتم إنتاجه خارج هذه المنطقة نضطر إلى رمي جزء منه بسبب عدم صلاحيتها، خاصة خلال الفترة الأخيرة بعد موجة البرد والثلوج التي عرفتها الجزائر، حيث أن السيول تسببت في جرف التربة التي كانت تغطي محاصيل البطاطا المغروسة، الأمر الذي أدى إلى تعريتها وتعرضها للشمس التي تسببت في فسادها، وهو ما جعلنا اليوم نتجنبها رغم أن أسعارها منخفضة عن بطاطا الوادي، حيث تتراوح بين 55 دج إلى 60 دج وتباع في أسواق التجزئة بحوالي 70 دج''. وبالاضافة إلى بعض الشروح والتفسيرات التي قدمت لنا من طرف هؤلاء التجار، لم يخف بعضهم عنصر المضاربة التي تعرفها أسواق الجملة خاصة إذا كان المنتوج (العرض) قليلا، حيث يتصرف تجار الجملة كيفما شاءوا ويرفعون الأسعار بطريقة اعتباطية، وهو ما زاد من تأزم الوضع وأبقى البطاطا بعيدة عن متناول المواطن البسيط الذي حكى لنا يومياته ومعاناته. المواطن يقاطع البطاطا لا يخلو اليوم حديث المواطنين الذين يقصدون الأسواق للتزود بما يحتاجه من خضر وفواكه من التطرق إلى موضوع ارتفاع البطاطا، وهو ما وقفنا عليه ونحن نستمع إلى تعليقاتهم التي يطلقونها عن التجار، تعبيرا عن تذمرهم وغضبهم وإحباطهم من الارتفاع الفاحش لسعر البطاطا كحال شيخ في العقد السادس من عمره وجدناه في جدال مع أحد التجار: ''بصراحة لم أفهم الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع الجنوني لمادة البطاطا التي وصلت إلى 90 دج، وصدقني أنني قررت عدم شرائها لأن إمكاناتي لا تسمح لي بذلك، فأنا رب عائلة تتكون من 5 أفراد ويلزمني على الأقل كيلوغرامين من البطاطا أي ما يعادل 180 دج، ألا ترون بزن الأمر وصل الى درجة لا تطاق''. ولم يختلف رد فعل سيدة علمنا ونحن نتحدث إليها أمام أحد تجار الخضر والفواكه بأنها تعمل في إحدى المؤسسات الوطنية، وقد اتخذت قرارا شجاعا حسب تعبيرها لمقاطعة البطاطا طالما وأن أسعارها في حدود ال90 دج ''رغم أن أسرتي تستهلك البطاطا طوال السنة بصورة دائمة تقريبا خاصة أولادي، إلا أنني قررت الاستغناء عن هذه المادة التي كانت في الماضي تمثل معيشة الليل''. ولم تحاول هذه السيدة الاستمرار في الحديث عن البطاطا، وفضلت وهي تغادرنا الالتفات إلى بعض المواد الأخرى التي قد تعوض لها فقدانها للبطاطا التي أرهقت أسعارها أعصابهم وأفرغت جيوبهم منذ حوالي الشهرين. وما راعى انتباهنا ونحن نتجول في إحدى أسواق العاصمة هو أن العديد من التجار لم نجد عندهم البطاطا وعندما بحثنا في الأمر قيل لنا بأنها نفدت، في حين أفصح لنا بعض التجار عن مقاطعتهم لها بعد الارتفاع الذي عرفته أسعارها في أسواق الجملة، غادرنا فضاءات السوق الملتهبة ولسان حالنا يقول رفقا بهذا المواطن الغلبان. وزارة الفلاحة: سوء الأحوال الجوية وراء ارتفاع أسعار البطاطا في اتصال هاتفي بوزارة الفلاحة لمعرفة موقفها من الإرتفاع الجنوني الذي بلغته أسعار البطاطا، علمنا من مسؤول على مستوى الهيئة الوطنية أن السبب المباشر يعود إلى سوء الأحوال الجوية التي عرفها الوطن في المدة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى عدم تمكن الفلاحين من جني محاصيلهم من البطاطا، مؤكدا أن الإشكال لا يطرح على مستوى الإنتاج الذي اعتبره وفيرا.