تختلط عليك الأرقام حين تتذكر أن وطنك سيحتفل خلال شهور بمرور 50 سنة منذ الاستقلال، يصدمك رقم 1500000 شهيد وتتذكر كم قدم هذا الوطن من أرواح لنعيش كرماء ناهيك عن الثكالى واليتامى والتجويع والظلم وحرق الغابات وتدمير الممتلكات ويذكرك برقم أكبر وهو15000000000.00 دج فاتورة تلمسان كانت عاصمة وكفى.. رغم عدم اهتمام الإعلام الغربي لا بإسلاميتها ولا بالمسلمين ككل، فالغرب لا يحلو له ذكر المسلمين إلا حين يتعلق الخبر بتفجيرات إرهابية، تزداد دهشة إذا ذكر لك رقم الألغام المضادة للأفراد التي نزعها الجيش الوطني الشعبي ولازالت عمليات نزعها متواصلة بعد أن أهدتنا فرنسا خرائط الألغام، مؤخرا، أي بعد نصف قرن من كسحها لا زلنا نكسح الألغام، وتندهش أكثر لما تتذكر ضحايا هذه الألغام ممن زهقت أرواحهم أو بترت أطرافهم من شيوخ وأطفال وأبرياء طيلة الخمسين سنة التي نسعى للاحتفال بمرورها رغم أن فرنسا لا زالت تمجد رموزها من إرهابيين وسفاحين، وبالعودة إلى الحاضر تتباين أرقام الإنجازات بداية برقم 2000000سكن خلال عشر سنوات والناس لم يلمسوا هذا الرقم بل الأزمة ما زالت خانقة ولا حديث إلا على أزمة السكن، وقد اندهش بعض علماء الاقتصاد حين ذكر رقم 2000000 منصب عمل جديد خلال 10 سنوات بل بدأ بعضهم يؤلف كتبا على الدهاء الاقتاصدي الجزائري لكن كل كتاباتهم حطمتها أمواج البحر حين اكتشفوا أن البحر يلتهم يوميا أجساد خيرة شبابنا من الهاربين من الفقر الباحثين عن العمل خارج الديار، وقد تحتار حين تكتشف أن عدد أصوات الناخبين المقيمين خارج الجزائر تجاوز رقم 2000000 ناخب وهوتقريبا عدد ناخبي سكان ليبيا، وحدث ولا حرج عن أعداد المقيمين غير المحصيين والذين يقيمون بطريقة غير شرعية، رقم آخر لا يصرح به وهو من الطابوهات ومن يذكره يساق إلى المحاكم لكنني سأحيط به، وهو عدد المجاهدين وذوي الحقوق الذي ارتفع عام بعد عام خلال الخمسين سنة حتى تجاوز عدد سكان الجزائر إبان الثورة، وقد يفتح لنا هذا الرقم المجال لنتذكر أشياء أخرى علّمت هذا الشعب الكسل والعزوف عن العمل فمنذ الاستقلال أسست وزارة المجاهدين مع العلم أن الدولة الوحيدة التي تحتوي حكومتها على وزارة للمجاهدين هي الجزائر، نحن نحترم مجاهدينا وأمجادنا ونفديهم بأرواحنا، لكننا في هذا المقام نحاول نقد السياسات التي لم تتألق بالوطن وأمجاده فهناك من لا علاقة لهم بالثورة وتحصلوا بطرق ملتوية على صفة المجاهدين أو ذوي الحقوق وأصبحت لهم منح ومزايا، وهناك أيضا من المجاهدين الحقيقيين وذوي الحقوق من الذين ضحوا بكل شيء في سبيل الثورة من لا يملك حتى الصفة لا منحة ولا مزايا، يحدث هذا في بلد أسس وزارة خاصة بالمجاهدين أتعرفون ما معنى وزارة؟ وحتى أكون أكثر موضوعية في كلامي، والدي رحمه الله من الفئة الثانية التي ذكرت، وإذا رجعنا إلى موضوع غرس الكسل في طباع المواطنين وتوزيع المنح، سنتذكر برنامج الثورة الزراعية سنوات الاشتراكية حين كان يفكر لنا من يعتقد بأنه لا إله والحياة مادة - ماركس- لما كان الفلاح يزرع بيديه ويربط المحراث بالحمار أو البقرة ليحرث أرضه مستعملا وزنه وقوته مرتكزا على المحراث وهو يسير على خطى الدابة معرضا نفسه للأمطار والسقيع ثم يعاود في فصل الربيع نزع الطفيليات من النباتات والأشواك حتى يساعد القمح أو الشعير على النمو ليعود صيفا ويحصد ثماره بيديه ويدرس ويصفي بوسائل تقليدية متعبة تحت أشعة شمس جويلية وأوت، ثم يأكل مما أنتج ويقول الحمد لله هذا من عرق جبيني، قالوا له توقف هذه الأرض ملك للدولة.. أنت أجير، كل شهر سيصلك أجرك عن طريق البريد - منحة -، ازرع واحرث واحصد لكن المنتوج ستتصرف فيه الدولة وسنجلب لكم الجرارات.. و.. و.. إلى غير ذلك من البرامج التابعة للثورة الزراعية، بطبيعة الحال أي واحد في مكانه لن يجهد نفسه كما كان في السابق فالأجر لن يتغير بتغير المجهود.. عذرا المنحة.. وأصبح كل فلاح أجير وباتت الجزائر التي ضرب دايها مبعوث فرنسا بالمروحة لأنه لم يسدد ديون بلده التي كنا نمونها بالقمح والشعير أصبحت تتدين لتوفر الخبز لشعبها، وعم الكسل على الناس وباتوا ينتظرون ساعي البريد وحوالة منحة الثورة الزراعية، ثم فشل المشروع ووجدنا أنفسنا أمام رقم آخر يصدم.. مديونية خارجية هذه المرة بملايين الدولارات، لكننا لم نستفد من هذه الدروس فقد أسسنا منحا أخرى لتشغيل الشباب والشبكة الاجتماعية ثم ونحن نحضر للاحتفال بمرور 50 سنة من الاستقلال ختمناها بمنح جديدة أكثرها رواجا منحة الإدماج المهني، فأرباب العمل يشتكون من قلة العمالة لأن الشاب الذي يجد 15000.00 دج منحة دون عناء وجهد وبعقد لمدة ثلاث سنوات قابل للتجديد ضمن ما يسمى بالإدماج المهني لن يعمل ب 2000.00 مقابل جهد وعناء لدى الخواص، ومن جهة أخرى الشاب يشتكي وضعية غير مستقرة وهذا حقه فما العمل بعد انقضاء مدة العقد الطويلة هذه.. من المؤكد أنه سيجد نفسه كهلا كسولا لا يقوى على العمل المتعب ولم يتعود على العمل لمدة 8 ساعات متتالية. وبعد 50 سنة من الاستقلال جربنا الاستثمار في كل شيء في الزراعة، في الصناعة في الخدمات لكننا تجاهلنا أن نستثمر في رأس المال البشري.. الإنسان، وتجاهلنا هذا جعلنا كمن يسكب الماء في الرمل، لا نتائج لكل جهود التنمية التي بذلناها ولا نجاح سوى للمشاريع التي أنجزها الأجانب.