اقترحت فرقة “مسرح التوائم الثلاثة"، على جمهور دار الثقافة لبجاية، مسرحية استمدت موضوعها وفكرتها من فكر وشخصية الفيلسوف الفرنسي دونيز ديدرو. الذي عبر الزمن ليزور المجتمع الغربي الحاضر، ويكتشف كم تغيرت قيم الإنسانية، وتحولت معاني الحب والعاطفة إلى مفاهيم غريبة، تماما مثل دور المرأة والرجل وعلاقتهما بالأسرة. الفرقة الفرنسية تتكون من ثلاثة شبان يتقدمهم حكيم مراوين، الذي تقمص شخصيات عدة من بينها “حبيب"، بجانبه الممثلة الواعدة كليمونس دي روز، وثالثهم الشاب انطوان موركي، الذي لبس عباءة الفيلسوف دونيس ديدرو، وفتح مع أصدقائه الجدد حوارا مطولا حول حقيقة الحياة في القرن الواحد والعشرين. الجديد في هذه المسرحية الفرنسية، هي طريقة سرد الأحداث، والتعامل مع فكرة أن تنقل الفلسفة كموضوع عميق ومعقد إلى خشبة مسرح مجبور على التبسيط والتبليغ. ثلاثة مقاعد، ستار أحمر خفيف غير متكلف، أزياء معلقة في خلفية الخشبة (الكواليس)، وديدرو الواقف منبهرا بالعالم الجديد، قبل أن يرن الهاتف في القاعة وتنطلق أحد الحاضرات في الحديث بصوت عال، كاد يثير غضب القاعة، قبل أن يفهموا أنها جزء من اللعبة المسرحية، وسريعا ما تنتقل الفتاة إلى الخشبة متفاجئة هي الأخرى بوجود أحد رواد عصر التنوير أمامها. فاقترحت عليه أن تدله على مستجدات قرنها الحديث، فيما بقي هو يطرح السؤال تلوى الآخر مقارنا الحاضر بالماضي. وهكذا ينطلق النقاش عميقا تصاعديا ليتطرق إلى لباس الناس، الطبقية، الديمقراطية، مكانة الدين في المجتمع، علاقة الرجل بالمرأة، وحال الأقليات الجديدة التي ظهرت للوجود أهمها الشواذ جنسيا. انطلاقا من رواية الباحثة الاجتماعية ومؤسسة التخطيط الأسري إفلين سوليرو. صيغ النص في جزئه الأول، فيما تكفلت المخرجة جون ميشال فريمون بكتابة جزئه الثاني، ليكون خفيفا سلسا، معتمدة على أسلوب إخراجي قائم على البساطة وخفة ظل الممثلين الثلاثة، توابل من السخرية والفكاهة، كلها بلغة فرنسية راقية وجميلة، لكنها مفهومة ومتاحة. طيلة ساعة من العرض ظل الجمهور جزء من الحكاية، وانخرط في الرد والتفاعل وكان الفلسفة يمكن أن تصبح موضوعا شعبيا، عكس ما يعتقده غالبية الناس. استوعب الجمهور بمختلف أعماره بعض أفكار ديدرو (1713-1784) التحررية، وإن اسمه ارتبط بالواقعية الفنية والتوجه الجمالي الذي كرسته البرجوازية وبلوره هو، لتتشكل الواقعية فيما بعد كمذهب عقب موجة التغيرات الاجتماعية والسياسية والحاصلة في نهاية القرن ال 19. يقول حكيم مراوين، إن المسرحية تعرض لأول مرة في الجزائر، وإنه “لم نكن نتوقع حرارة الجمهور وتقبلهم للفكرة خاصة عندما تكلمنا عن الشواذ جنسيا وما يحدث من حركة عالمية تخصهم.. اعترف أنه موضوع ليس سهلا". فحكيم اشتغل في المسرح الجهوي لبجاية ثمانية سنوات متتالية، قبل أن ينتقل للعيش بفرنسا ويواصل النشاط في كنف هذه الفرقة التي حلت مؤخرا وستعود تحت تسمية جديدة هي “سيرتا".