تكثر الخلفيات والأهداف التي تقف وراء الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة التي بدأت أول أمس، ويكون من السذاجة اعتبارها ردا على إطلاق صواريخ من القطاع على إسرائيل بدأته جهات فلسطينية غير “حماس"، تدرجت الردود الإسرائيلية عليه في شكل لا يمكن معه “حماس" إلا أن تنغمس في تلك المواجهة بعد أن كانت، بالاشتراك مع القيادة المصرية، توصلت إلى الهدنة مع إسرائيل التي نسفتها باغتيال نائب قائد كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري للحركة أحمد الجعبري. وإذا صحت الأنباء عن أن الجعبري كان على وشك المصادقة على الهدنة، فإن هذا يؤكد بلا شك أن الهدف من الحرب المفتوحة التي أطلقها بنيامين نتانياهو على القطاع قصفا وقتلا، ليس مجرد رد على الصواريخ الفلسطينية. ولا تتوقف الوظيفة الإسرائيلية لتصعيد اليومين الماضيين عند الهدف الانتخابي بالنسبة إلى نتانياهو قبل 3 أشهر من الانتخابات المبكرة التي يأمل بالفوز بها على منافسيه تحت شعار حفظ أمن الإسرائيليين الذي يشكل الأولوية عندهم. تتعدد وظائف التصعيد الإسرائيلي في ظل الأوضاع الإقليمية المتشابكة والمعقدة ويمكن ذكر الآتي منها على سبيل المثال لا الحصر: -1 إنها رد مسبق على استعداد السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس للتوجه إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لطلب التصويت على اعتماد فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية وفق حدود 1967، وما يرتبه ذلك من اعتبار الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها، أراضي محتلة من قبل إسرائيل، ما يعدّل قواعد التفاوض بين الجانبين عليها. وهو ما يكاد يصيب القادة الإسرائيليين بالهلع من هذه الخطوة التي يفكرون بالرد عليها بإجراءات قد تصل إلى ضم زهاء 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية التي عليها المستوطنات التي شكلت العائق الأساس لاستئناف مفاوضات السلام، وإلغاء اتفاق أوسلو، الذي سبق أن ألغاه آرييل شارون عمليا عام 2002 باجتياحه الضفة. فضلا عن حجز الأموال الفلسطينية من الضرائب والرسوم ووقف المساعدات الأميركية للسلطة. -2 إنها اختبار لإمكان استعادة التحالف بين إسرائيل نتانياهو وأمريكا باراك أوباما بعد تباعدهما نتيجة انحياز الأول إلى منافس الثاني في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والخلاف المزعوم على الحرب ضد إيران بفعل إصرار نتانياهو على انتزاع تأييد واشنطن لعمل عسكري ضد طهران. وواقع الحال أن الإصرار الأمريكي على إعطاء الأولوية للحل الديبلوماسي مع إيران لم يغيّر في أولوية التأييد الأمريكي الأعمى لأمن إسرائيل. وفضلا عن أن أوباما أيد حق إسرائيل في الرد في العملية الأخيرة، فإن ما قام ويقوم به نتانياهو منذ يومين يتمتع بدعم أمريكي كامل تأكيدا لاستعادة الود بين الجانبين. وإزاء ضمان الجانب الفلسطيني للحصول على زهاء 150 صوت في الأممالمتحدة للإعتراف به دولة غير عضو (من أصل 193 دولة عضوا)، فإن واشنطن تمارس ضغوطاً هائلة على الجانب الفلسطيني كي يمتنع عن الخطوة. لقد تأكد نتانياهو بإعلانه الحرب ضد غزة من عودة التطابق بينه وبين أوباما إزاء الفلسطينيين، بل حصل على الضوء الأخضر من أوباما نفسه بعد المحادثة الهاتفية المهينة التي أجراها الرئيس الأمريكي مع الرئيس الفلسطيني الأحد الماضي التي حاول فيها ثنيه عن التوجه إلى الأممالمتحدة لانتزاع الاعتراف والتي انتهت إزاء إصرار أبو مازن إلى ما يشبه التهديد حين قال له أوباما “إنكم ستشعلون المنطقة برمتها". هذا فضلا عن الضغوط الوقحة والمهينة التي يمارسها الأمريكيون ومعهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على دول عربية كي تضغط على أبو مازن لصرف النظر عن توجهه. والتطابق بين نتانياهو وأوباما يؤكد صحة ما ذهب إليه معلقون أمريكيون عند حصول ما يسمى “التباين" حول إيران، من أن الأول يرمي من وراء تضخيم الخلاف، إلى الحصول على مقابل لعدم شن حرب يعرف أن لا قدرة له عليها بمفرده، هو تأييد خطواته إزاء الفلسطينيين. -3 إنها اختبار (وتحدٍ) إسرائيلي، وأمريكي أيضا، لدول الربيع العربي عموما وأنظمتها الجديدة ولمصر خصوصا، ولمدى استعدادها لتحقيق شعارات الحركة الشعبية التي انتفضت على الأنظمة الاستبدادية إزاء القضية الفلسطينية. وهما اختبار وتحدٍ ليسا فقط لأن مصر شعرت بالخديعة الإسرائيلية بعدما كادت جهودها تنجح في تثبيت الهدنة، بل لأن النظام الجديد في مصر معني، كغيره من الأنظمة الجديدة باستعادة الكرامة إزاء الصلف الإسرائيلي والاستعلاء الأمريكي، وهو ما فرض ردود الفعل المصرية التي لم تكن لتحصل أيام النظام القديم. والأرجح أن اختبار الربيع العربي عبر حرب غزةالجديدة لن يكون على المدى المتوسط والبعيد لمصلحة إسرائيل وهذا ما لا تدركه واشنطن وتل أبيب..