تفجرت أحداث غير مسبوقة في تونس منذ اغتيال النقابي والمعارض اليساري البارز شكري بلعيد، الأربعاء الماضي، أمام مقر إقامته، وشهد الشارع التونسي، خلال اليومين الماضيين، “سخونة" كبيرة في الوضع الذي شمل مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن التونسية التي استعملت الغاز المسيل للدموع من أجل تفريقهم، حيث استمر الغليان السياسي في هذا البلد إلى غاية أمس الجمعة، وهو اليوم الذي شهد أيضا تشييع المرحوم شكري بلعيد إلى مثواه الأخير انطلاقا من حي جبل جلود جنوب العاصمة تونس. شارك عشرات آلاف التونسيين، أمس الجمعة، في تشييع جثمان النقابي والمعارض التونسي البارز شكري بلعيد إلى مثواه الأخير انطلاقا من حي جبل جلود جنوبي العاصمة مسقط رأس هذا المعارض التونسي البارز، وقد ردد المشيعون شعارات مناهضة لحركة النهضة التونسية التي اتهمتها عائلة المرحوم شكري بلعيد صراحة بتدبير حادثة اغتياله الأربعاء الماضي. واندلعت اشتباكات في محيط مقبرة الجلاز، مكان دفن المرحوم بالعاصمة تونس، أمس، بين قوات الأمن ومحتجين في حين أطلقت هذه الأخيرة الغاز المسيل للدموع في جنازة المعارض التونسي اليساري البارز بعد مناوشات بين المشيعين وقوات الأمن وسط المدينة، وقرر زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي الامتناع عن المشاركة في الجنازة التي شارك فيها الرجل الأول في هيئة أركان الجيش التونسي رشيد عمار ورموز المعارضة التونسية وفق ما أكدته هيئات إعلامية دولية. وسجلت كاميرات بعض التلفزيونات المحلية بشكل عفوي أعمال سرقة وتخريب وتكسير من طرف بعض المشاغبين في محيط مقبرة الجلاز أين شيع شكري بلعيد إلى مثواه الأخير، حيث تم التصدي لهم من طرف رجال الأمن والمواطنين. وقال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية التونسية، خالد طروش، للتلفزيون التونسي بأن الوحدات الأمنية تحاصر مجموعات تخريبية تحاول إدخال البلاد في الفوضى. وحرصت النساء على حضور الجنازة، كتفا لكتف، مع الرجال، الأمر الذي انتقدته مجموعات إسلامية على مواقع التواصل الإجتماعي، فيما نفى مدير مكتب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية أن يكون هذا الأخير قد غادر البلاد متوجها إلى العاصمة البريطانية لندن، وفق ما أشارت إليه قي وقت سابق بعض المعلومات، مشيرا إلى أن الغنوشي موجود في البلاد وأنه لن يشارك في جنازة شكري بلعيد، احتراما لمواقف عائلته التي سبق وأن اتهمت حركة النهضة بتدبير حادث اغتياله. من جهة أخرى، أطلقت مجموعة من أصدقاء السياسي التونسي الراحل اسمه على ساحة قرب منزله، وبنوا فيها مجسما كتبوا عليه اسمه، ووشحوه بالعلم التونسي. وبدت الشوارع خالية من المارة تزامنا مع إغلاق المتاجر لأبوابها فيما يبدو وأنه استجابة كبيرة للإضراب الذي دعا إليه الإتحاد العام التونسي للشغل ليوم أمس الجمعة، وهو الإضراب الذي استجابت له بقوة أيضا الخطوط الجوية التونسية التي أعلنت إيقاف جميع رحلاتها الجوية، في حين سجلت وكالة الأنباء الفرنسية إلغاء العديد من هذه الرحلات وفق ما أكده مراسلوها من تونس. وأعلنت المدارس الفرنسية في تونس غلق أبوابها، يومي الجمعة والسبت، على خلفية الأحداث الخطيرة التي يعرفها هذا البلد عقب اغتيال المعارض شكري بلعيد، وهو الاغتيال الذي جعل الرئيس التونسي منصف المرزوقي يعلن الحداد العام في البلاد، فيما وقعت مواجهات عنيفة في عدد من المدن التونسية بين محتجين وقوات الأمن. وسجل توافد لأنصار المعارضة التونسية إلى شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة الذي انتشرت به قوات مكافحة الشغب، مع العلم أن هذا الشارع يعتبر تقليديا أحد الأماكن التي تمارس فيها المعارضة التونسية احتجاجاتها ضد الحكومة. واستخدمت الشرطة التونسية الغاز المسيل للدموع من أجل تفريق المتظاهرين من أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة التونسية، ومركز مدينة قفصة، التي تمكن فيها شباب غاضبون من إحراق مركز للأمن بعد أن انسحبت قوات مكافحة الشغب من المواجهات التي اندلعت مع المتظاهرين هناك، والتي حاولت تفريقهم باستعمال الغاز المسيل للدموع، أما في ولاية نابلالتونسية فقد سجل جرح 20 شرطيا في خضم المواجهات التي اندلعت هناك، أول أمس الخميس، بين قوات الأمن التونسية ومحتجين غاضبين. ومما يبدو وأنه رد فعل على اغتيال بلعيد، قال رئيس الحكومة التونسية حمادي جبالي، وهو إسلامي، أنه سيشكل حكومة “تقنوقراط" غير حزبية لتسيير شؤون البلاد إلى غاية إجراء انتخابات مبكرة، لكن حزب حركة النهضة، الذي ينتمي إليه جبالي، وشركاؤه العلمانيون قالوا إنه لم تتم استشارتهم بهذا الخصوص مما يلقي بظلال شك كبيرة على وضع الحكومة الحالية وحالة اليقين السياسي في البلاد. ولم تتبن أية جهة اغتيال شكري بلعيد، في حين اتهمت عائلة هذا المعارض التونسي حركة النهضة التونسية بتدبيرها للإغتيال، وهو الأمر الذي قامت الحركة بنفيه مع إعلانها عدم تورطها في هذا الحادث، غير أن ذلك لم يمنع حشودا من الغاضبين من مهاجمة عدد من مقار الحركة في العاصمة ومدن أخرى خلال اليومين الماضيين. وأدانت واشنطن اغتيال شكري بلعيد، حيث قالت فيكتوريا لولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا زالت تأمل أن تتمكن تونس من تجسيد الطموحات التي ناضل من أجلها شعبها. للإشارة، فإن شكري بلعيد المغتال هو أيضا أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين المنتمي لجبهة التحالف الشعبية اليسارية، وقد عرف بمواقفه وتصريحاته المناوئة للإسلاميين قبل اغتياله الأربعاء الماضي أمام منزله في العاصمة التونسية، حيث قالت الشرطة التونسية إن شخصين اثنين نفذا الهجوم على بلعيد ثم تمكنا من الفرار.