لم تعد بلدية هراوة الواقعة شرق العاصمة، تلك البلدية المفزعة التي يهجرها الناس بسبب تدهور الأمن سنوات الإرهاب، ولم تعد أيضا تلك البؤرة التي أخرجت للعالم، الشيخ الانتحاري بشلة رابح مفجّر مبنى هيئة الأممالمتحدة بالعاصمة 2007.. هراوة لم تعد كل ذلك التاريخ الأسود والأحمر طيلة التسعينيات، بل هي اليوم مدينة تتجمّل بالعمران الجديد وحياة جديدة، وهي اليوم محور استراتيجي لأحد أهم مواقع التوسع العمراني بالعاصمة التي تعاني من نقص العقار مما حوّلها كمنطقة لأكبر المطامع والنزاعات العقارية منها ما تورط فيه حتى كبار المسؤولين في الدولة.. “الجزائر نيوز" اقتربت لتحقق في أحد ملفات هذا النزاع، وعادت بالوثائق والحقائق. كل المسؤولين المحليين في الرويبة من الوالي المنتدب ومقاطعته الإدارية الواقعة غربا مرورا بمديريات ومصالح البناء والتعمير وما علق بينهما، وصولا إلى الغرب ببلدية هراوة ومصالحها التقنية، وجمعياتها ومنظماتها الجماهيرية ومواطنيها البسطاء.. كلهم يعرفون ملف 16 قطعة أرضية بهراوة والصراع الدائر بين الوالي المنتدب والمير السابق ضد مالكيها ال 16 كما يشير لذلك اسم القضية التي نتعرض لتفاصيلها وخباياها الخطيرة لأول مرة.. قطعة أرضية لم تُبنَ سنوات الجمر تثير مطامع المسؤولين في عهد الأمن قد يكون مستحيلا في أيامنا هذه، أن تحصل على قطعة أرض عن طريق أية وكالة عقارية عمومية، حيث سوق العقار تستعر بالعاصمة بالغةً درجات خيالية، فوتت على الدولة حتى السريان الحسن لمشاريع السكن الواردة ضمن البرامج الخماسية الرئاسية. هذه الندرة في العقار أنتجت طرقا وتقنيات جهنمية في إطار صراعات مستترة بين أطراف عدة للاستيلاء على عقارات للبناء أو للبزنسة بها، وكثيرا ما يكون وراء تلك التقنيات مسؤولين كبار يستعملون سلطة مناصبهم ونفوذهم وعلاقاتهم لبلوغ أهدافهم، كما تطلعنا فضائح الأخبار القادمة من المحاكم لتنشرها الصحافة كمادة إعلامية مستقطبة للقراء في وقت أضحى ملف الفساد في الجزائر، أولوية حصرية بعد تقويض شأفة الإرهاب. حالة التكالب على العقار وتقنياته المستعملة باسم القانون والبيروقراطية، تنطبق تماما على ملفنا اليوم. ال 16 قطعة بهراوة في الواقع هي أرض صالحة للبناء، مساحتها الإجمالية 7 آلاف متر مربع، ويعني الرقم 16 عدد المالكين لتجزئاتها الذين اشتروها كلا على حده منذ 1995 عن طريق الوكالة العقارية العمومية، يحدها شمالا حسب بيان لمديرية التعمير والبناء عيادة وسوق مغطاة وجنوبا مسجد ومدرسة قرآنية، أما من الناحية الشرقية فطريق عام، ومن غربها مشروع لبناء 120 مسكن. وتفيد الوثيقة التي بحوزتنا أن وضعيتها القانونية هي أرضية تحصلت عليها الوكالة العقارية العمومية لبومرداس حسب قرار رقم 337/955 مؤرخ في 22 أفريل 1995 وهي الهيئة ذاتها التي جزأتها لبيعها إلى المهتمين بالأمر، لكن قبل ذلك كان على الوكالة العقارية أن تنجز أشغال التقسيم وتهيئة قنوات الصرف، كما ينص عليه القانون حتى لا يقع مالكوها الجدد في فوضى البناء والمس بشبكات الصرف الصحي، إلا أنه وبمرور الزمن الذي كانت تكابد فيه الجزائر ويلات الإرهاب، لم يكن أمام الوكالة العقارية ما يضغط عليها لمباشرة تلك الأشغال التي تحتاج فيها إلى ترخيص خاص يسمى قانونا ترخيص التجزئة، تمنحه المصالح التقنية لبلدية هراوة، كما لم يكن المُلاّك الجدد الذين اشتروا كافة تجزئاتها ويملكون عقودا مشهرة بالمحافظة العقارية كما تبينه الوثائق التي بحوزتنا، لم يكونوا في عجلة من أمرهم لكي يباشروا أشغال البناء الخاصة بكل واحد منهم، سيما إذا علمنا بأن الظرف الأمني لم يكن مواتيا لذلك، كانت فيه الجماعات الإرهابية تتربص بكل ذي مال أو ثروة أو من تبدو عليه مظاهر الثراء لتبتزه في أمواله. لكن بعودة الأمن وانقشاع غيوم سنوات الجمر، أصبح الظرف ملائما لمباشرة أي مشروع في البلد وليس فقط البناء، وبدأ التهافت على القطع الأرضية من كل المسؤوليات والجهات، بحثا عن تجسيد مشاريع عطّلتها العشرية السوداء. في هذه الفترة، حاول المالكون ال 16 مباشرة الأشغال على ملكياتهم القانونية، لكنهم تفاجأوا خلال العهدة السابقة بالمجلس الشعبي البلدي لهراوة، وموقفه الرافض لمنحهم رخصة البناء. يقول المستفيدون إن هذا الموقف دفعهم للاستفسار عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، مع العلم أنه ليس هناك ما يمنع البلدية ومصالحها التقنية من إصدار رخص البناء، فوجدوا أن البلدية تمتنع على خلفية أن الوكالة العقارية لبومرداس لم تجدد طلب رخصة التقسيم أو التجزئة لمباشرة أشغال التهيئة التحتية للقطعة الأرضية كما ينص عليه القانون. أمام هذا الوضع وقعت حالة استنفار بين المالكين، فهرعوا إلى الوكالة للاستفسار عن سبب عدم طلب رخص التجزئة والتقسيم... مفاجأة؟؟؟ يقول أحد المالكين ل “الجزائر نيوز"، “لقد كانت صدمتنا عميقة حينما علمنا بأن الوكالة كانت قد تقدمت للبلدية بالطلب واطلعنا عليه إلا أن البلدية هي التي كانت ترفض الموافقة عليه، لتبدأ معاناتنا منذ سنوات عديدة دون أن نتمكن من التصرف في أملاكنا". أمام غموض كهذا كان على المالكين ألا يبقوا مكتوفي الأيدي، بل سيتحركون كما سنرى في كل الاتجاهات لمعرفة المستوى الذي يجعل من رخصة التقسيم تتعطل عن الصدور وبالتالي رخصة البناء التي تحق لهم، عن التأخر، ليكتشفوا “المؤامرة".. يقول أحد المالكين “اكتشفنا أن القطعة الأرضية كانت تحت مجهر الوالي المنتدب الحالي بالرويبة ورئيس البلدية المنتهية عهدته"، ويضيف آخر “لقد سبق لي وأن قابلت الوالي المنتدب لمعرفة لماذا تتعطل عملية إصدار رخصة التجزئة للوكالة العقارية بعد أن بلغتنا أنباء عن وجود ضغوطات من طرف الوالي المنتدب للرويبة على رئيس البلدية الذي ظهر لاحقا أنه متواطئ"، وأردف المالك ذاته “لقد صدمني الوالي المنتدب حينما استقبلني ذات مرة شاكيا له من وضعيتنا، عندما سألني قائلا هل تعلمون اليوم كم هو سعر المتر الواحد في ذلك المكان؟؟"، ويضيف المتحدث متسائلا “ماذا يعني سؤال الوالي المنتدب وهو يعلم بأننا مالكون ولا نطلب سوى حقنا في رخصة البناء وأن موضوع السعر قد تجاوزناه سنة 1995".. يقول أصحاب ال 16 تجزئة بأنهم أيقنوا منذ أن طرح الوالي المنتدب عليهم سؤال السعر، بأن ملكهم أصبح محل مطامع عديدة وخطيرة وأنهم إن لم يتحركوا في أقرب الآجال فقد تٌنتزع منهم ملكياتهم “خاصة وأننا نواجه واليا منتدبا ورئيسا لبلدية يملكان السلطة والنفوذ وتقنيات التلاعب بالقانون".. الظنون تتحول إلى واقع وقرع الطبول يأذن ببدء الحرب باشر المالكون هجوما قضائيا على البلدية ورئيسها لعدم تطبيقه القانون، واستغلاله منصبه لعرقلة إجراءات قانونية، وبغضّ الطرف عن انتصار المالكين وتعويضهم من أموال البلدية التي كان ينبغي أن تُوظّف في حل مشاكل المواطنين وإنجاز المشاريع وليس في صراع خاسر مسبقا، حيث عوضت خزينة البلدية 16 مالكا ب 3 ملايين سنتيم. ولكن في خضم الصراع حول استصدار رخصة التجزئة والبناء بين المالكين والإدارة بقيادة الوالي المنتدب الذي يُفترض ألا تكون له علاقة بالملف أصلا كونه ليس الهيئة التي تملك صلاحية منح الرخص سالفة الذكر، إلا أن المراسلات الصادرة من وإلى الوالي المنتدب ومن مديرية البناء والتعمير إلى غاية والي العاصمة، تبيّن التورط الواضح لوالي الرويبة المنتدب، بأنه يمارس ضغطا مباشرا لانتزاع ملكية هؤلاء الخواص. قد يقول قائل بأن جلب الدليل لإثبات هذه الإدعاءات قد يكون ضربا من المستحيل، خاصة وأن المالكين لم يقدموا ما يثبت ذلك سوى تصريحا إعلاميا ل “الجزائر نيوز"، إلا أن التحقيق في الموضوع والوصول إلى بعض المصالح في الإدارات، جعل مصدرا من المصادر يزودنا بوثائق هامة للغاية، تبيّن بشكل كبير تورط الوالي المنتدب. فقد سبق للمالكين وأن صرحوا لنا بأن والي الرويبة المنتدب وصل به الأمر إلى غاية تحريضه المواطنين على منعنا من مباشرة البناء واعتراضهم بدفعهم لجمع التوقيعات ووضعها بين يدي رئيس البلدية لمواجهة المالكين أمام العدالة لكنهم كما سبق وذكرنا لا يملكون الدليل. بينما تكشف مراسلة وقّعت عليها ثماني منظمات وجمعيات ومواطنين بهراوة تعترض فيها على مباشرة مالكي القطعة الأرضية للبناء عليها يطلبون فيها أمرا غريبا للغاية وهو تخصيصها كمكان خاص بالهروب إليه في حال وقع زلزال، والأخطر من ذلك فإن المراسلة الموقعة من طرف هؤلاء تشير إلى أن هذه التوقيعات المرفقة بالطلب هي تحت إشراف مباشر من الوالي المنتدب الحالي للرويبة. وتفيد المراسلة ذاتها أن الوالي المنتدب بادر باقتراح لأصحاب تلك الأرض، تغيير ملكيتهم إلى مكان آخر مقابل التنازل عن قطعة هراوة، لكن مالكيها أعلنوا رفضهم “تجنبا لمخططات غير معروفة العواقب وهذا دليل آخر على أن الوالي المنتدب كان يرغب في تحويل ملكيتنا إلى وجهة غير معلومة بعد انتزاعها منا بطرق ملتوية" مثلما يصرح أحدهم. أكبر من ذلك، يستدل أحد مالكي ال 16 تجزئة بأن مخطط انتزاع الملكية كان يُراد له أن يتحقق بأية طريقة، إذ تبيّن مراسلات أخرى من رئيس البلدية السابق، لمدير وكالة التسيير والتنظيم العقاري لبومرداس التي باعت القطعة الأرضية، التضارب الكبير في سبب منع منح رخصة التقسيم لهذه الهيئة، إذ جاء في إحدى مراسلات المجلس السابق (نسخة بحوزتنا) بأن المجلس قرر في اجتماع له، تخصيص تلك القطعة للمساحات الخضراء وهذا في 2003، ليُصبح تبرير المنع في 2009 تخصيص الأرض إلى حظيرة لركن السيارات الخاصة فقط بيوم الجمعة عند توافد المصلين على مسجد قريب منها. ولم تتوقف أشكال التحايل من طرف الإدارة على المالكين الأصليين للأرض عند هذا الحد، بل تواصلت إلى غاية إقحام مديرية الشؤون الدينية ومديرية البناء في الصراع، وجعلهما يردان على الوضعية القانونية للعقار الواضح أصلا من هذه الناحية، إذ تبيّن وثائق أخرى بحوزتنا أن المدرسة القرآنية التي قامت البلدية بتوسعتها على مساحة أصحاب الأرض تعد تعديا مثلما جاء في حكم رسمي موجود بين أيدينا كذلك، وأن مديرية الشؤون الدينية تتبرأ من التوسعة ولا تعترض على أن يعود حق المالكين الأصليين إليهم، كما تفيد مراسلة أخرى من مديرية التعمير بأن ملف النزاع حول هذه القضية لم يرد إلى مصالحها، كون الملف واضح من حيث الوضعية القانونية. الوالي المنتدب الأسبق يعقّد مأمورية الوالي الحالي ومن بين الوثائق التي تبيّن أن الوالي المنتدب الحالي للرويبة متورط في محاولة هذا التحويل للملكية الخاصة دون وجه حق كما يصف المالكون، وبمعيته رئيس البلدية الأسبق، وجود مراسلة رقم 63/KA/SG مؤرخة في 1 مارس 2009 تأمر رئيس بلدية هراوة بدراسة إيجابية لطلب رخص البناء لأحد المالكين في القطعة الأرضية الذي تقدم للوالي المنتدب شاكيا، وهو ما يفسره أصحاب الأرض بأنه دليل على أن الوالي المنتدب الحالي يعرقل فقط الإجراءات القانونية بما أن الذي سبقه، لم يكن يرى في استخراج هذه الرخصة ما هو ضد القانون، وهو ما قرر على ضوئه، أصحاب الملكية العقارية استعماله في متابعة الوالي المنتدب الحالي، بتهمة استعمال النفوذ والسلطة للتعدي على ملكية الغير والتقليل من شأن أحكام قضائية رئيسة بلدية هراوة ورثت بلدية بملفات سوداء بعد أن فشلت كل محاولاتنا للاتصال بالوالي المنتدب ورئيس ديوانه رغم تنقلنا إلى مقر المقاطعة الإدارية وقضاء الفترة المسائية في انتظار أحدهما للرد، تعترف رئيسة البلدية خلال مقابلة معها، بوجود هذا الملف ضمن النقاط السوداء التي ورثتها من المجلس الشعبي البلدي السابق، مؤكدة بأنها تعمل حاليا على إرضاء كافة الأطراف، وهي مجموعة المواطنين التي تعترض على البناء وكذا جعل أصحاب الأرض في وضعية مريحة إزاء ملكيتهم، إلا أن الغريب لدى الرئيسة الجديدة للمجلس وهي قادمة من حزب يقود حقيبة وزارية لتهيئة الإقليم والبيئة والمدينة أنها تسعى هي الأخرى لاسترجاع القطعة الأرضية لصالح البلدية، ليس لإعادة بيعها بل تقول لمشروع ذات منفعة عامة، وستستشير في ذلك مختصين في القانون والعقار، “وإذا لم ننجح فسننتظر ما ستسفر عنه العدالة التي لا تزال تنظر في الملف"، وهو الموقف الذي قد يكلفها ما كلف رئيس المجلس الذي خلفته وتلطيخ جدول السوابق العدلية بحكم قد يحرمها من الترشح مرة أخرى إذا ما أخذ حزبها بالحسبان نظافة منتخبيهم خلال عهداتهم السابقة كشرط من شروط الترشح مجددا، مع العلم أن المير السابق خسر القضية ولا يزال متابعا، وهذا ما سيفعله المالكون الجدد “بالميرة" الحالية حورية عزوني.