يمارس التاريخ سحرا كبيرا على الضريح الملكي الموريتاني، بسيدي راشد، ولاية تيبازة، عندما تمتزج روعة الطبيعة مع حكاية المكان الذي يصنف في المخيال الاجتماعي والأثري على أنه القبر الذي بناه “يوبا الثاني" للحفاظ على ذكرى حبه لزوجته كيلوباترا سيليني ابنة كيلوباترا مصر، وقد يتبدد نوعا ما هذا “السحر"، ربما في سياق مأخذ بعض الزوار بخصوص عدم تهيئة الموقع وغلق مدخله الرئيسي، على نحو يحرم الزوار من متعة الاطلاع على أسراره المدفونة في ظلمة الدهاليز، لكن ذلك لا يقلل من القيمة التاريخية للمكان الذي يظل شاهدا على قدرة ورقة الإنسان القديم في الفضاء المتوسطي. تعتبر تسمية “الضريح الملكي الموريتاني"، التسمية الرسمية المعتمدة لدى المختصين في الآثار ورجال الثقافة والعارفين بخبايا التاريخ القديم، رغم أن السكان بسيدي راشد وتيبازة والكثير من الجزائريين عموما، يطلقون على المكان أيضا اسم “قبر الرومية"، وتقول مصادر مختلفة تحدثت إليها “الجزائر نيوز" لتفسير هذا الاختلاف في التسمية، أن اسم “قبر الرومية" يعود إلى كون “الأبواب الوهمية الأربعة التي يضمها الضريح تحمل علامة الصليب" وذلك بالرغم من أن هذا الضريح الموريتاني تم بناؤه، على الأرجح، قبل ظهور المسيحية، أو قبل فترة انتشارها، على الأقل، وفق مصادر تاريخية تشير إلى أن الضريح بناه “يوبا الثاني"، الذي حكم في الفترة الممتدة من سنة 25 قبل الميلاد إلى سنة 23 بعد الميلاد، وزوجته الملكة “كيلوباترا سيليني". ويعود بناء هذا الضريح، إلى ما يعرف بالفترة النوميدية، نسبة إلى مملكة نوميديا التي امتدت قديما عبر أرجاء واسعة من شمال إفريقيا، وهو يقع على بعد 15 كلم تقريبا من مدينة تيبازة وقرابة كيلومترين من بلدية سيدي راشد، إحدى بلديات ولاية تيبازة. ويتميز هذا الضريح أيضا بموقعه على هضبة تطل على الشريط الساحلي، حيث يمكن أيضا رؤية ساحل متيجة بأكمله على ارتفاع يصل إلى 261 متر فوق سطح البحر، وفي الواقع، فإن مجرد الصعود فوق قبة هذا المعلم التاريخي يتيح منظرا طبيعيا رائعا، يمزج بين زرقة البحر وجمال الطبيعة الخضراء وذلك على اعتبار أن هذا المعلم يقع وسط مساحات خضراء واسعة تزيد المكان المكان رهبة ورونقا... وتم تصنيف هذا الموقع في عام 1982 ضمن التراث العالمي للإنسانية، كما يوجد هذا المعلم التاريخي والسياحي ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة التربية والثقافة والعلم التابعة للأمم المتحدة “يونيسكو" منذ سنة 2002 كواحد من الأضرحة الملكية الموريتانية وكذا المواقع الجنائزية لفترة ما قبل الإسلام. ويشكل هذا الضريح “كومة" كبيرة ومتجانسة من الحجارة المتراصة بحجم يصل، تقريبا، إلى 80 ألف متر مكعب، في حين يبلغ قطره 64 مترا وارتفاعه 33 مترا، كما يبلغ الجزء الأسطواني المزين في محيطه قرابة 160 مترا مربعا. ويضم هذا الضريح أربعة أبواب وهمية لا يمكن الدخول من خلالها إلى الضريح على اعتبار أن المحل الرئيسي لهذا المعلم تم اكتشافه من طرف مختصين في الأثار خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وتتشكل هذه الأبواب الوهمية من لوحات مستطيلة من الحجارة علو كل واحدة منها قرابة سبعة أمتار، كما تحمل هذه الأبواب علامات بارزة للصليب، وتعتبر هذه الزينة في شكل “الصليب" هي العامل الذي كان وراء التسمية التقليدية للضريح بكونه “قبر الرومية" كتسمية تقليدية اعتمدت لدى السكان منذ فترة طويلة. وخلال فترة حكم العثمانيين في القرن السادس عشر الميلادي، حاول الباشا صالح رايس فتح هذا الضريح ومعرفة أسراره وذلك عندما قام بقنبلة قبته بهدف البحث عن مدخل، وهذا ما أدى إلى الإضرار بالجزء الخارجي للبوابة الشرقية، أما في القرن الثامن عشر الميلادي، قام الباي بابا محمد بأعمال تنقيب على مستوى الضريح، لكن من دون الوصول إلى أية نتيجة. وخلال مرحلة الاستعمار الفرنسي، وبالضبط ما بين سنتي 1865 و1866، أطلقت حملات تنقيب جديدة من جانب “أدريان بيربروغر"، مفتش المعالم التاريخية وكذا من جانب مختص يدعى “ماك كارثي"، وذلك بطلب من نابليون الثالث حاكم فرنسا في ذلك الوقت، وقد سمحت هذه الحملة بتحيين المدخل الحقيقي للضريح والذي كان قبل ذلك مجهولا على مدار القرون، ويقع هذا المدخل تحت المكان الذي تعلوه البواية الشرقية، كما أن هذا المدخل تم غلقة أيضا في بداية التسعينيات لأسباب أمنية خالصة وفق المعلومات المقدمة لنا من جانب المدير الولائي للثقافة، وكذا من جانب أعون الأمن الذين يحرسون المكان ليلا ونهارا. وبالنسبة لتاريخ بناء هذا الضريح وكذا وظيفته الحقيقية، فتبقى أمور غير معروفة بدقة، وقد ورد ذكر هذا الضريح في نص يعود للجغرافي “بومبونيوس ميلا"، مؤرخ في الأربعينيات بعد الميلاد، وهي الفترة التي تم فيها ضم مملكة موريتانيا إلى روما في حين يعتقد بعض المؤرخين أن الأمر يتعلق بضريح ملكي بناه “يوبا الثاني" خلال فترة حكمه، ما بين سنة 25 قبل الميلاد وسنة 23 بعد الميلاد، وزوجته “كيلوباترا سيليني". كما يعتقد آخرون أن الدراسة المعمارية للمعلم تسمح بتأريخ بنائه، تقريبا، في القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، وبالتالي فإن الأمر تم في حقبة ما قبل سيطرة الرومان على شمال إفريقيا. الزوار.. “معجبون يشتكون"! يعرف المعلم عادة توافدا للزوار، الجزائريين والأجانب منهم، وخلال تواجدنا بالموقع، الأيام القليلة الماضية، صادف وجودنا وجود بعض الزوار الصينيين، أما عن الزوار الجزائريين فهم يتوافدون على المعلم من مختلف الولايات وكل واحد منهم يملك سببا يجعله يأتي لزيارة هذا الموقع التاريخي الذي يعرفه الكثير من الجزائريين. ويقول فريد صاحب ال 48 سنة، وهو مواطن مقيم ببوزريعة، بالعاصمة، إنه يأتي لأول مرة رفقة العائلة من أجل زيارة الضريح، مشيرا إلى أنه معجب بهذا الموقع السياحي، لكنه عبر أيضا عن تفاجئه بما أسماه “تدهورا" للموقع بالنظر -كما قال- إلى “الحجارة الأثرية المبعثرة" حول الضريح. ورغم أن هذه الحجارة التي تحدث عنها الزائر، هي جزء من المعالم التاريخية والأثرية للمكان، إلا أنه أشار إلى شعوره بأن المكان “مهمل" ليس فقط للسبب الذي ذكره ولكن أيضا، كما قال، لغياب دليل يرشده إلى تاريخ وخبايا المكان كون المكان لا يضم أي فضاءات للجلوس أو التمتع بجمال الضريح وسحر الطبيعة، وبخصوص غياب الدليل في هكذا أماكن سياحية، فقد أكد لنا أحد أعوان الأمن، أنه يمكن الحصول على دليل ولكن ذلك يتم على مستوى الجهات المعنية بتيبازة ومقابل مبلغ مالي يصل إلى 600 دينار. ويشير هذا الزائر، إلى أنه سبق وزار المواقع الأثرية بمصر، حيث يوجد الدليل على مدار الساعة ودون دفع ثمن إضافي عن سعر الدخول إلى الموقع، مشيرا إلى كون هذه العوامل المشجعة على السياحة وجدها أيضا في اثيوبيا التي زارها بحكم “احتكاكه بالسلك الديبلوماسي الجزائري"، كما يقول. من جانبه عبر، رزاق حسام، وهو شاب من تبسة يعمل بالعاصمة، عن إعجابه بالموقع من حيث الآثار والطبيعة الخلابة المحيطة به، لاسيما وأنه -كما يقول- متعود على زيارة الآثار الموجودة أيضا بولاية تبسة، لكن هذا الشاب الزائر للموقع عبر أيضا عن “امتعاضه" من غلق المدخل إلى الضريح مما “حرمني من رؤية ما بداخله فعلا"، وفق ما يقول هذا الشاب الذي تمنى الولوج إلى الضريح، في أقرب وقت ممكن. ويملك بعض أعوان الأمن العاملين في حراسة الموقع، ما يقولونه أيضا عندما يشيرون إلى “معاناتهم" مع بعض الزوار. يقول أحدهم إن هذه المعاناة موجودة خصوصا من حيث قيام بعض الزوار برسم نقوش على الجدران والصخور الأثرية، فضلا -كما قال- عن تسلقهم أحجار القبة مما يشكل “خطرا عليهم"، كما يؤكد هذا العون، أنه ليس هناك دهشة حول طريقة بناء الضريح وطريقة تموضع صخوره، بقدر ما توجد الدهشة من الطريقة التي استعملت من أجل الحصول على هذه الحجارة المستعملة في البناء، حيث كان يتم -وفق ذات المتحدث- استخراجها من شواطئ المنطقة على نحو فريد، يعتمد على الحفر حولها وملء الحفر بالماء عندما تكون قريبة من الأشجار وتؤدي، هذه الطريقة، وفقه، دائما إلى تشبع الشجرة بالماء قبل أن تزداد حجم جذورها على نحو يؤدي إلى انفصال الحجارة بشكل تلقائي. وإذا كان هذا العون، يشدد على أهمية إحاطة الموقع بسياج حتى لا يدخل إليه الناس من الغابة المحيطة، مع كل ما يشكله ذلك من “خطر عليهم"، فإن إطواهرية خالد، وهو عون أمن آخر يعمل بالمكان، يؤكد أن مسألة النقش على الحجارة والجدران في المعلم مسألة “من الصعب منعها"، لاسيما وأنه لا يمكن -كما يقول- مراقبة الجميع، فضلا عن ردود الفعل التي يبديها بعض الزوار أثناء “محاولة تنبيههم إلى الموضوع".