كثر الحديث عن توالي المناسبات الثقافية في الجزائر، وعن الأثر الذي خلّفته في المسرح بصفة خاصّة، هذا الفن الذي ولد ثائرا، وكان التعبير الفنيّ الوحيد الذي تحدّى الآلهة عند اليونان. فكيف يمكن أن يكون مقنعا ومؤثّرا، إذا قيّد بسياسة وإيديولوجية مفروضة؟ “الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية" ، “خمسينية الاستقلال"، تظاهرات ثقافية استفاد منها المسرح بميزانيات معتبرة شريطة أن تكون العروض المقدّمة مرتبطة ببنية واتّجاه التظاهرة، لكنّ الإشكال القائم أنّ معظم الأعمال المسرحية التي انبعثت في هذا الإطار لم تلق رواجا عند الجمهور، بل بالعكس أثارت طمع الممارسين وأصبح الكلّ يسعى وراء مسرحيّات المليار. من أولى بالعتاب في فشل هذه التظاهرات؟ الوزارة الوصيّة التي رسّخت عادة المناسبات،أم جهل وعدم كفاءة الممارسين المسرحيّين. إذا ما حللنا هذه الظاهرة بموضوعية، فانّ المسؤولية يتقاسمها الاثنان معا، إذ من المفترض أن تطلب الوزارة وضع الأهداف مرجوّة التّحقيق من كلّ مسرح، بتقديم مشروع فنيّ بعيد المدى، على الأقل ثلاثة مواسم لصاحب المشروع، ضمان الحريّة التامّة في اختيار ما يناسب طبيعة وذوق الجمهور، ومن حقّ الوزارة متابعة تجسيد هذه المشاريع الفنية على أرض الواقع باحترافيّة عاليّة. ومع ذلك، فإنّ المشكل أعمق بكثير والذي يتجلّى في عدم كفاءة الممارسين، إذ أنّ الوزارة لم تفرض نصوصا معيّنة بل فرضت تيمة “Thème"، والتّيمة مفهوم متعلّق بالآداب والفنون بشكل عامّ، أين عرف المصطلح مع مرور الزّمن تطوّرا في المعنى، وصار يدلّ على الفكرة الجوهريّة المجرّدة التي تتجسّد بشكل ما في العمل الفنيّ. وقد يندرج عدم نجاح العروض المسرحية ليس في اختيار التيمة بل في طريقة الطّرح، فمثلا “الثقافة الاسلاميّة" تيمة يمكن أن نستخلص منها كمّا لا نهاية له من العروض القيّمة إذا ما أنتجنا قراءات جديدة نبرزها في العرض على المستوى البصري أو على مستوى الخطاب. لكن الطّرح البسيط والسّاذج في بعض الأحيان يحول دون الوصول إلى مسرح تيماتي راق، مسرح تيماتيّ يعنى بالتّشكيلات التي يتّخذها العالم الخيالي لكاتب ما، معتبرا أنّ الصور، المضمون واللّغة هي منظومة علامات يجب استقراؤها، وأنّ تلكم العلامات ترجع الى بنية نفسية لشخص ما كفرد أو كمجموعة بشرية، وهي موقف محدّد من الحياة وشكل من أشكال الحساسيّة، الخيال والحلم، وهذا الطّرح يدفع بالممارس المسرحيّ إلى الاتّكاء على علوم أخرى يجب أن يفقهها، علوم عرفت تطوّرا مثل علم النّفس الذي أطلقه عالم النّفس النّمساوي “سيغموند فرويد" وعلم الأنثربولوجيا. ما أصبو إليه من خلال هذا الطّرح المختصر، دقّ ناقوس الخطر لمسرح مناساباتيّ عزف عنه الجمهور واستغلّه الممارسون بجشع، مسرح أسير يحلم ويتوق لحريّة مربوطة بالمستوى الفكري للممارسين والمتذوّقين.