الثورات التي غيرت وجه العالم العربي، غيرت أيضا اقتصاده، للأسوأ في أغلب الحالات. إذا كنا سنقيم ما يسمى ب«الربيع العربي" ائتمانيا، سيكون التقييم واضحا ومؤسفا، حيث سيكون متدنيا للغاية. اطلعنا الأسبوع الماضي على الوضع الاقتصادي في مصر والاضطرابات التي واجهتها منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير بسبب تراجع عائدات السياحة وتآكل احتياطي النقد الأجنبي وارتفاع معدل البطالة وسوء الإدارة. وخفضت وكالة “موديز"، إحدى أكبر وكالات التصنيف الائتماني في العالم، التصنيف الائتماني لمصر ست مرات. وعندما يصل التصنيف الائتماني إلى هذا الحد يطلقون عليه “عالي المخاطر". وبذلك يصل مستوى مصر الآن إلى مستوى باكستان. لم يكن هذا بالتأكيد أمل الثوار الذين اقتحموا البوابات حاملين شعارات الكرامة الاقتصادية، لكنه واقع الحال في مصر التي لديها إمكانات اقتصادية هائلة، لكن ليس لديها ما تفخر به حاليا. عانت تونس هي الأخرى من تصنيفات ائتمانية متدنية من قبل وكالات “فيتش" و«موديز" و«ستاندرد أند بورز". ومنذ اندلاع ثورتها، التي سميت بثورة الياسمين عام 2011، خفضت وكالة “ستاندرد أند بورز" تصنيفها الائتماني ثلاث مرات ودخلت تونس أيضا مرحلة التصنيف “عالي المخاطر". تحدد التصنيفات الائتمانية للدول بالأساس قدرة المقترض (الدولة في هذه الحالة) على تسديد ديونه وتساعد المستثمرين، الذين يتداولون هذه السندات (الديون)، في تحديد الأسعار في الأسواق الثانوية. ويجعل التصنيف “عالي المخاطر" من الصعب بمكان اقتراض المال بسعر فائدة معقول. وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي والسياسي في تونس أفضل من الوضع في مصر، فلا يمكنها تحمل هذا التصنيف الائتماني المتدني بسبب الاضطراب في سوق التصدير الأساسية والسياحة التي تعتمد على الأوروبيين بالأساس. وأدى التراجع الحاد في قطاع السياحة إلى ارتفاع حاد في عجز الموازنة، حيث تضاعف كنسبة من إجمالي الدخل المحلي تقريبا من 4.8 في المائة عام 2010 إلى 8 في المائة عام 2012. وبحسب “موديز" لن تختلف توقعات عام 2013 كثيرا عن العام الماضي. مع ذلك ليس الحال كذلك في مصر وتونس فقط، فكل الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط تواجه مشكلات مالية. تضرر المغرب من تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، وهو ما أدى إلى زيادة عجز الميزان التجاري. وتدخل صندوق النقد الدولي من خلال تقديم بعض الأموال الوقائية عام 2012، لكن توقعات “موديز" عن الوضع في المغرب غير إيجابية. وسيكون من الصعب على الأردن الصمود من دون دعم صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون الخليجي. كما تدنى احتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات خطيرة. على الجانب الآخر، ستؤدي الأزمة في سوريا، وتأثيرها السلبي على السياحة والاختناق الذي تعاني منه طرق التجارة في الأردن وتدفق اللاجئين على الأردن، إلى مزيد من التدهور في الوضع المالي للبلاد. وقال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إن استضافة 500 ألف لاجئ سوري تكلف خزانة الدولة 550 مليون دولار. وتتوقع الأممالمتحدة أن يصل عدد اللاجئين السوريين في الأردن بحلول نهاية العام الحالي إلى 1.2 مليون لاجئ. وتمكن لبنان من الصمود في العاصفة حتى هذه اللحظة بفضل الحوالات التي يرسلها اللبنانيون العاملون في الخارج، لكن الحرب الأهلية السورية تزحف عليه وهو ما سيضر بالسياحة والمصارف المحلية. أما بالنسبة إلى سوريا نفسها، فالتدهور الاقتصادي هو أقل بواعث قلقها، حيث لا يزال نظام الأسد مستمرا في قمعه الوحشي وكذلك دوامة العنف التي سيكون من الصعب إيقافها حتى بعد سقوط الأسد، ففي اليوم التالي لذلك سيتعين على سوريا دفع الثمن الاقتصادي. وكان تصنيف مجلس التعاون الخليجي الائتماني بصفة عامة جيدا. وتظل حكومات تلك الدول قوية من حيث الوضع المالي بفضل عائدات النفط والغاز وفائض رأس المال في الصناديق السيادية. مع ذلك أدت زيادة الإنفاق نتيجة الأحداث الإقليمية إلى زيادة سعر تعادل النفط في تلك الدول وهو السعر الذي تعاني الميزانية عنده من عجز. لقد كانت البحرين بعيدة في الإحصاءات، فقد فاق سعر تعادل النفط، وهو 120 دولارا، السعر المتوسط البالغ 106 دولارات عام 2012 مما أدى إلى عجز. وشهدت عُمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سعر تعادل يقترب من 80 دولارا عام 2012، في حين استقر السعر في الكويت عند 50 دولارا، وفي قطر عند 40 دولارا. وتعتمد قطر أكثر على صادرات الغاز الطبيعي. لذا سجلت جميعها فائضا رغم زيادة الإنفاق الحكومي. ولكن بطبيعة الحال قد يؤثر سلبا على اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي الانخفاض طويل الأجل في سعر النفط، إذا حدث. ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع أسعار النفط في عام 2013 عن 102 دولارا للبرميل. لذا دعم الربيع العربي قصة “الشرقين الأوسطين"، حيث ستكون دول مجلس التعاون الخليجي في جانب، وباقي الدول في جانب آخر. ويوضح تقرير نشرته وكالة “موديز" التفاوت المتنامي بين اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي واقتصاد الدول الأخرى (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) منذ الأزمة العالمية والربيع العربي. وذكر التقرير أن التصنيفات الائتمانية لدول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط اتسمت بالاستقرار منذ الأزمة المالية العالمية وطوال فترة ثورات الربيع العربي. وأضاف: “ضعفت الأسس الائتمانية الاقتصادية والمالية والخارجية في أكثر الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي". لم يتوقع المتظاهرون في دول الربيع العربي، الذين تحركوا تحت ضغط المشكلات الاقتصادية، أن يشهدوا شتاء اقتصاديا قارسا. ولم يعد بوسع الحكومات الجديدة تحميل الماضي مسؤولية مشكلاتهم. ويجب أن تكون أولويتهم الآن لتحقيق النمو والاستقرار السياسي وتوفير فرص عمل، فالشتاء البارد قد يزداد برودة. أفشين مولوي باحث أميركي من أصل إيراني/ عن الشرق الأوسط