يتناول كتاب "النزعة الانقلابية في الأحزاب الجزائرية"، للكاتب والإعلامي محمد بغداد، الصادر عن دار الحكمة، دراسة استقصائية بأسلوب إعلامي، تتبع ظاهرة الحركات الانقلابية، التي تميز الساحة السياسية الجزائرية، مستعينة بالمناهج العلمية الحديثة، وبالذات الاجتماعية والنفسية والسياسية المعتمدة، في تحليل الظاهرة السياسية. الكتاب يطرح إشكالية حساسة تناولت مفهوم العمل الحزبي وغياب الثقافة السياسية بالجزائر، حيث تهيمن الزعامة على الحزب، بينما يطمح المناضلون إلى تقلد مناصب قيادية فيه ومناصب في الدولة من خلاله طبعا، فتسد تلك الزعامات الطريق أمامهم فينشقون عن الحزب ويؤسسون أحزابا جديدة يتزعمونها. وضرب مثلا بأحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم) التي شهدت انشقاقات متتالية، وشكّلت إثرها أحزابا جديدة تزعمها المنشقون. ورجع المؤلف في مقاربته للمنطلقات التاريخية التي أسست لثقافة "الانقلابات الحزبية" إلى إنقسام الحركة الوطنية الجزائرية عام 1953 بين مصالي الحاج ورفاقه على الزعامة. وتتمحور إشكالية الكتاب، حول التساؤل القائم والملح، لماذا يتم التداول على السلطة في الأحزاب الجزائرية، عبر الحركات الانقلابية والسلوكات العنفية، دون أن يكون للمؤسسات والأساليب الديمقراطية، دور في تحقيق التداول السلمي، وما هي الأسباب الحقيقية التي تساهم في توسيع هذه الحركات والسلوكات الانقلابية، التي شملت كل التيارات السياسية، دون استثناء، وهل ذلك راجع إلى ظروف نفسية مرتبطة بإنسان المنطقة الجغرافية، الرافض للقيود البيروقراطية، التي يفرضها الالتزام الحزبي، أم إلى الضغوط التاريخية المتراكمة، أم إلى أسباب أخرى يبحثها الكتاب. الدراسة، تتناول بالتتبع والتحليل الإعلامي والمنهجي، بعيدا عن التسلسل التاريخي لظاهرة الانقلابات الحزبية، الأطراف الفاعلة في الحركات الانقلابية، والجهات المساهمة فيها، وبالذات الأدوار التي تقوم بها، في توسيع دائرتها، وتنوع تجسيداتها الميدانية، بما في ذلك العامل الظاهر والمتجلي والعوامل المستترة. الكتاب رؤية موثقة للظاهرة، وخطوة نحو التأسيس لنقاش فكري وسياسي جاد وعميق، من أجل الاقتراب الحقيقي من الظاهرة السياسية الوطنية، بعيدا عن السجال الإعلامي اليومي، وتجنبا للمزاجية والانطباعية المتداولة في المشهد، حتى يمكن الوصول إلى تأسيس تقاليد حضارية، وأساليب علمية حقيقية، تكون قادرة على الإجابة عن الأسئلة الكبرى، ومساعدة على فهم الظواهر التاريخية القائمة.