يرى الباحث وأستاذ التاريخ الدكتور مصطفى نويصر، أن تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بمناسبة رحيل المناضل الشيوعي هنري علاق، خطوة مهمة في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية الحديثة، ولكنها غير كافية ولا تحسم مسألة الاعتراف بجرائم فرنسابالجزائر التي تحكمها عدة عوامل من أقواها لوبي الأقدام السوداء بفرنسا. كتاب هنري علاق (السؤال) حسب المعطيات المتوفرة كتبه في السجن عندما كان معتقلا وتعرض إلى تعذيب بشع، واستطاع عبره فضح الممارسات البشعة التي كان يقوم بها الجيش الفرنسي في السجون الجزائرية، وطبعا هذا جعل السلطات الفرنسية تنتبه للأمر بمحاولة مصادرته لكنها تأخرت، لأن المصادرة تمت بعد أن تسربت أعداد كبيرة للرأي العام الفرنسي. ولا يجب أن نغفل أن هنري علاڤ ليس من أصول فرنسية وإنما بولندية واسمه الحقيقي (هنري سلام)، فرت عائلته من الممارسات النازية ضد اليهود في الحرب العالمية، وانتمى هو إلى الحزب الشيوعي وكان عضوا بارزا فيه، حيث ترأس تحرير صحيفته. كما ساهم في تأسيس جريدة "ألجيري ريببليكان" بالجزائر، وكتابه كان فارقا رغم وجود العديد من الكتاب من جنسيات أخرى كتبوا، إلا أن الوضع مختلف عندما يأتي من قبلهم ويفضح الممارسات غير الأخلاقية التي يقومون بها "وشهد شاهد من أهلها". وثيقة إدانة، أعتقد أنه كان أول كتاب من مواطن فرنسي يفضح عملية التعذيب المؤسس في السجون الجزائرية ويكشف الفظاعة الممارسة ضد المعتقلين الجزائريين، وتحول هذا الكتاب لاحقا إلى فيلم نظرا للأهمية التي يكتسيها. ويجب أن ننوه إلى أن هناك كتبا أخرى مهمة كتبها عدد من الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين، مثل كتاب "عارنا في الجزائر" لجون بول سارتر. هنا أنبه إلى شيء مهم في كثير من الأحيان لا نوليه الأهمية اللازمة، وهو أن أسماء مثل هنري علاڤ، سارتر، سيمون دي بفوار، حملة الحقائب.. وغيرهم من أحرار فرنسا، كانوا يدافعون عن شرف فرنسا، يدافعون عن قيم الثورة الفرنسية التي استبيحت واغتصبت، هؤلاء فعلا أصدقاء نقدرهم ونحترمهم، لكن لا يجب أن نضعهم في مصاف الكثير من المناضلين العرب والأمريكان والأفارقة الذين كانوا يناضلون بقناعة أخرى وهي إيمانهم بعدالة القضية الجزائرية، وهذا خيط رفيع لكنه فاصل. نحن الجزائريون نطالب دائماً بضرورة اعتراف فرنسا بفظائعها البشعة في الفترة الاستعمارية، المسألة هنا مركبة، لأنه في تصوري أن الفرنسيين عندما قدموا إلى الجزا ئر كغزاة سنة 1830 قرروا بعد أربع سنوات ضم مستعمرتهم الجزائر إلى الممتلكات الفرنسية واعتبارها جزءا لا يتجزأ من فرنسا، وهنا بدأت إبادة وتهجير الجزائريين، وهذا يدخل في إطار المنافسة التي كانت بين الإمبراطوريتين الاستعماريتين آنذاك فرنسا وإنجلترا، وتمكنت الثانية من إبادة عدد كبير من الشعوب في أمريكا واستراليا.. في إطار توسيع نفوذها، وكان حلم فرنسا بلوغ ذلك. وأثناء فترة الاستعمار الطويلة (أكثر من قرن من الزمان) في الجزائر تشكلت حركية بشرية كبيرة، ومع قدوم 1962 كان قد تشكل مجتمع جديد (مجتمع الأقدام السوداء) الذي يشكل اليوم لوبي قوي جداً في فرنسا، وما زالوا يحلمون بالعودة إلى أرض الجزائر ويعتبرون أنفسهم أصحاب حقوق فيها. لهذه المعطيات أعتقد أن تصريحات الرئيس الفرنسي خطوة مهمة لكن مسألة الاعتراف مازالت بعيدة ومعقدة، لذا يجب علينا نحن الاهتمام بكتابة تاريخنا والاستمرار في البحث في هذا الإطار.