يثير تقرير لجنة استشارية تابعة لمرصد اللائكية منذ نشره أمس الثلاثاء بفرنسا، جدلا واسعا حول منع ارتداء الخمار في الأوساط الجامعية. وجدد مخاوف الجالية المسلمة هناك من تكريس سلوكات جديدة باسم لائكية الدولة. تقرير وصفه البعض ب «المضلل» بالنظر إلى تضييقه الخناق على طالبات وباحثات ومدرسات مسلمات، بحجة ضرورة تجنب حساسية غير المسلمين من مظاهر التدين بالاسلام. صدر التقرير عن المجلس الأعلى للاندماج، التابع للمرصد الوطني لللائكية بفرنسا، حيث وقع أعضاؤه العشرين على لائحة اقتراحات من بينها قانون «يمنع إبراز أي علامة أو لباس يعبر علنا عن الانتماء الديني للشخص، داخل قاعات التدريس، الفضاءات العامة أو في التدريس والبحث في المؤسسات العامة». وفي طياته التي أطلع عليها الرأي العام عن طريق صحيفة «لوموند» أمس الثلاثاء، يذهب التقرير إلى المطالبة ب «حيادية الجامعة»، وعلته في ذلك «تجنب الخلافات التي قد تنشب في المحيط الجامعي»، كما يتطرق النص إلى «إجبارية تقديم طلبات إعفاء لتبرير الغياب لأسباب دينية»، وهي النقاط التي تفاعلت معها الطالبات المسلمات بفرنسا، حيث عبرن عن تخوفهن من تأثير ذلك على مسارهن الدراسي، واستغرابهن من تقرير يعمق الهوة بينهم وبين أبناء البلد أو غيرهم من الزملاء من ملة أخرى. رئيس مرصد اللائكية جون لوي بيانكو، أكد لوكالة الأنباء الفرنسية، «سوء الفهم» الذي رافق التقرير، وأن هذا الأخير «لا يلزم إلا البعثة العلمانية للمجلس الأعلى للاندماج الذي لم يعد في الخدمة»، في محاولة منه للتخفيف من توتر المحيط الجامعي، وما قد ينجر عنه من ردود أفعال لا تحبذها الحكومة حاليا، ويضيف موضحا: «مسألة ارتداء الخمار في طور التعليم العالي ليست في مخطط عمل مرصد اللائكية». جدير بالذكر أنه منذ 2004، أصدرت السلطات الفرنسية قانونا يحظر حمل علامات دينية في المؤسسات الإسلامية الثانوية، ولم يكن الحديث آنذاك عن التعليم العالي مثل الجامعات. بينما النقاب أو الحجاب الكامل، منع على ضوء قانون 2011 في الآماكن العمومية. من جهته ذكر عبد الله زكري، رئيس مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا، التابع للمجلس الوطني للشعائر الإسلامية، بقانون حرية التعبير الذي «يعترف للطلبة بالتعبير عن قناعاتهم الدينية داخل الجامعة، ولكن يمنعهم من ممارسة أي ضغط على الآخرين أو التسبب في إضطرابات». إلا أن مساهمات زكري في تذليل الصعاب للجالية المسلمة في فرنسا، تبدو غير قوية أمام إصرار أطراف معادية لأي تواجد إسلامي على الأراضي الفرنسية، وهي الأطراف نفسها التي لا تبالي بخطاب المؤسسة الدينية الكاثوليكية، والتي عبرت بصوت البابا فرانسوا الجمعة الماضي، عن رأيه بخصوص التعايش الديني. حيث وقع رسالة إلى المسلمين في العالم، بمناسبة نهاية شهر رمضان واقتراب عيد الفطر، يقول فيها إنه أصر هذه السنة على التوقيع شخصيا على الرسالة التقليدية الموجهة للمسلمين: «كتعبير عن إعجابي ومحبتي لكل المسلمين، وخصوصا تجاه علمائهم»، ودعا إلى «الاحترام المتبادل عن طريق التربية»، وأصر على القول: «ما علينا احترامه في أي شخص، هو أولا حياته، سلامته الجسدية، كرامته بالحقوق التي يتمتع بها، سمعته، تراثه، هويته الإثنية والثقافية، أفكاره وخياراته السياسية. لهذا نحن مدعوون إلى التفكير والحديث والكتابة لشكل محترم عن الآخر. بحضور دائم وفي أي مكان، وبتجنب انتقاده بغير مبرر أو للتشويه». ويتناقض تقرير اللجنة الاستشارية مع رسالة البابا فرانسوا، الذي دعا إلى استعمال التربية والتعليم لترويج ثقافة التسامح وتقبل الآخر.