منذ سنوات تزوجت بنتا من الغرب الجزائري (طبعا لم يدم زواجنا طويلا) وكانت الحدود مفتوحة مع المغرب وعرضت عليها قضاء شهر العسل بالمغرب، فتوجهنا إلى وجدة عن طريق القطار، وقعدنا نصف شهر بكامله في وجدة وفاس ومكناس وما لفت انتباهي حينئذ هو العدد الكبير للجزائريين الذين ينقلون المواد الغذائية والسلع المدعمة من الدولة إلى وجدة عن طريق التهريب الجماعي وكأن هيستيريا حلت بهم، وكان ذلك تحت أنظار شرطة الحدود، ولم يكن واحد منهم يشعر بالخجل بل كلهم كانوا يبدون فرحين إلى درجة الفخر بذلك، بل حتى زوجتي المطلقة اقترحت علي ذلك في زيارتنا القادمة إلى بلد الحسن الثاني آنذاك.. بلعت غضبي ورحت أفكر في هذا السلوك الشاذ والانتحاري، وعلمت فيما بعد أن معظم جزائريي الحدود وغيرهم من أبناء غير الحدود لهم هذه الرغبة المجنونة في اقتراف مثل هذا السلوك غير الخاضع للتفكير.. وحاولت مرارا أن أفكر في مثل هذه الظاهرة، لماذا الجزائري ينكل بوطنه ويخرب بيته؟! هل هي عقدة الحرمان الطويل؟ هل هو الانتقام من السلطة؟! لم أجد إجابة دقيقة عند أي عالم اجتماع جزائري، لا يعرفون يقولون سوى كلام حفظوه كالببغاوات عن ظهر قلب، لماذا الجزائري لا يستعمل عقله في تدبير شؤونه؟! لماذا يكره العقلانية ويحتقر الذين يفكرون ويسلّم مصيره للمشعوذين والمتأسلمين والمتلاعبين بمصيره ومستقبله؟! والغريب في الأمر، أنه ليس الإنسان البسيط والعادي هو فقط من لا يستعمل عقله، بل حتى من تضحك لهم الأيام ويدفع بهم القدر إلى قمة الحكم هم أيضا لا يفكرون وإلا كيف نفهم الخراب الكبير الذي ألحق بمدننا التاريخية على أيدي المسؤولين، ومع ذلك لم يثر في وجوههم أحد، ولم يحاسبهم أحد.. وكيف يتحول مشروع الطريق السيار العظيم إلى مهزلة وبهدلة بعد وقت قصير على الانجاز، وكأن شيئا لم يحدث؟! ثم كيف تداس القوانين دوسا ومع ذلك كأن شيئا لم يكن؟! ثم إذا ما ذهبنا إلى السياسة، هل من المعقول، أن يقبل عاقل في الأفالان أن يصبح في رمشة عين، وقدرة قادر مناضلا بلا تاريخ على رأس حزب تاريخي؟! وكل هذا يا إخوتي من البياعين وغير البياعين يدخل في عداد معركة، اسمها معركة اللاعقل ضد العقل، وإذا ما انتصر اللاعقل ضد العقل، قولوا على الجزائر سلاما، سلاما...