لم تقتصر علاقة الجزائر بالزعيم الجنوب الإفريقي الراحل، نيلسون مانديلا، ورفاقه من المؤتمر الوطني الإفريقي، على الدعم الديبلوماسي الذي كانت توفره بلادنا في المحافل الدولية لجهود مقاومة نظام التمييز العنصري التي كان يقودها الزعيم الراحل، ومناضلو المؤتمر الوطني الإفريقي. بل إن الحكومة الجزائرية المؤقتة كان لها أول اتصال مع نيلسون مانديلا حتى قبل استقلال الجزائر في عام 1962، حيث كان هناك لقاء للزعيم الراحل عام 1961 في وجدة بالمغرب، بعضو الحكومة المؤقتة مصطفاي شوقي. كان ذلك أول اتصال لمانديلا بقادة الثورة التحريرية الكبرى، وفق بعض المعطيات. وكانت الظروف التي يعيشها مناضلو المؤتمر الوطني الإفريقي تتسم بالتوجه نحو العمل المسلح ضد نظام التمييز العتصري، بعد مجزرة "شارب فيل" التي ارتكبها نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، والتي ذهب ضحيتها زهاء السبعين شخصا، ما جعل قادة المؤتمر الوطني الإفريقي يقررون رفع السلاح في وجه النظام العنصري الجنوب الإفريقي في ذلك الوقت. بعد حصول الجزائر على استقلالها عام 1962، تلقى مانديلا دعوة من الرئيس الجزائري في ذلك الوقت، أحمد بن بلة، من أجل حضور استعراض عسكري، وعندما قدم مانديلا إلى الجزائر عرض عليه الرئيس الراحل أحمد بن بلة تمويل المؤتمر الوطني الإفريقي ماليا، فضلا عن تأسيس مخيمات تدريب عسكري في الجزائر لفائدة مناضليه. في حين تشير بعض المعطيات التاريخية الأخرى، التي أدلى بها مجاهدون ومناضلون جزائريون وباحثون تاريخيون، إلى أن مناضلي المؤتمر الوطني الإفريقي بدأوا في تلقي التكوين العسكري على أيدي الثوار الجزائريين في مخيمات بالمغرب في عام 1961، حيث كان عدد من الثوار الجزائريين متواجدون قبل الحصول على الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي في سنة 1962. وتشير معطيات تاريخية إلى أن زيارات مانديلا تكررت بعد ذلك، لكنها ظلت سرية بتعليمات من وزير الدفاع في ذلك الوقت والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. ورغم أن هذا الأخير حكم عليه بالسجن مدى الحياة من طرف نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا عام 1964 بتهم تتعلق بالتخريب، إلا أن الجزائر استمرت في دعم المؤتمر الوطني الإفريقي سريا، حيث بدأ بعض أعضائه يأتون إلى الجزائر ابتداء من سنة 1965 من أجل تلقي التدريب العسكري في أفق مقاومة نظام "الأبارتايد". كما سمحت الجزائر أيضا بفتح مكتب إعلامي لفائدة المؤتمر الوطني الإفريقي بشارع العربي بن مهيدي في العاصمة، وهو المكتب الذي كانت تخرج منه غالبا بيانات المؤتمر الوطني الإفريقي المنددة بالعنف الممارس ضد المواطنين السود، أوالبيانات التي تتحدث عن التحركات ضد نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. وكان العديد من أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي يأتون إلى الجزائر بانتظام، ومن بين هؤلاء الرئيس الحالي لجنوب إفريقيا جاكوب زوما، الذي زار الجزائر عدة مرات خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث تحدث زوما في عدة مناسبات عن الدور الكبير الذي لعبته الجزائر في دعم المؤتمر الوطني الإفريقي خلال مقاومته لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. وحتى نسلط الضوء أكثر على الدور الذي لعبته الجزائر في هذا الإطار يكفي فقط أن نعرف أن الديبلوماسية الجزائرية هي التي كانت، عام 1974، بقيادة وزير الخارجية في ذلك الوقت والرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وراء إقصاء ممثلي النظام العنصري الجنوب إفريقي في ذلك الوقت من المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يقم النظام المشار إليه ببعث ممثلين عنه إلى الأممالمتحدة بعد ذلك وإلى غاية سقوطه. كل هذا الدعم الذي قدمته الجزائر للراحل مانديلا ورفاقه في المؤتمر الوطني إفريقي، هو الذي جعل هذا الزعيم التاريخي يقوم بزيارة إلى الجزائر، كأول دولة يزورها بعد إطلاق سراحه في عام 1990. وكل هذا الدعم هو الذي جعل الراحل مانديلا يحمل الجزائر في قلبه، وهو الذي قال عن بلادنا خلال وجوده في الجزائر عام 1990 في تجمع نظم بقاعة اللجنة الأولمبية، إن "الجزائر هي التي جعلت مني رجلا".