وصلت أيام الفيلم الأوروبي التي احتضنتها قاعة محمد زينات برياض الفتح أمسيتها الأخيرة، حيث اختار المنظمون أن يفتتحوا الأمسية بفيلم يختزل كل الألوان بإمضاء اللمسة البلغارية، والتي حضرت بفيلم "لون الحرباء" لمخرجه "إميل كريستوف"، حيث أصبغ على الجمهور لمسة دهشة بكثرة مشاهده وتناقضها وعدم انسجامها ببعضها البعض، وهو ما عمد المخرج لافتعاله في مشاهد الفيلم الذي أدى بطولته مجموعة من الجواسيس الذين جندوا بعد انهيار المعسكر الشيوعي وانعكاساته على جميع الدول الاشتراكية، كما لم يغفل المخرج تسليط الضوء على قضية المثقف وعلاقته المكهربة مع السلطة ومحاولته لإثبات ذاته رغم كل التهديدات والظفر بحقوقه الضائعة ومصادرة حريته وحقه في التعبير والحياة من وجهة نظره. كما أن الأفلام من هذا النوع تعكس نوعا من الحنين للفترة الاشتراكية والوفاء لها سينمائيا. يبدأ بتاريخ 7 جانفي 1989، ويقوم بدور البطولة فيه الشاب "باتكو"، المجند في صفوف الشرطة السرية والذي يستاء من الوضع الذي آلت إليه الشرطة بعد أن فقدت مصداقيتها، ليفكر في مقاومة أخرى وهي تنظيم خلية سرية تعمل من أجل الكشف عن حقيقة الأوضاع السائدة بعد التصدع والجهات التي ترغب في فرض سلطتها على الساحة، في محاولة من المخرج لإعادة استدعاء شخصية المحققين والسينما البوليسية وإسقاط آخر لشخصية "جيمس بوند" بمغامراته وذكائه الخارق في الوصول إلى حقائق الأمور والإلمام بتفاصيلها وتداعياتها. أما عن سبب اختيار المخرج للعنوان "لون الحرباء" فإن قراءة سطحية للعنوان تحيلنا إلى الانتقال من حال إلى حال ومن لون لآخر من المصدر نفسه، أما المعنى العميق للعنوان فهو أن المخرج أراد أن يبرز أن بعض من تبنوا الشيوعية وهي في أوج قوتها واستماتوا في الدفاع عنها كيف أمكنهم التحول بعد سقوطها وحمل شعار الديموقراطية التي ينادي بها المعسكر الرأسمالي ودوله في الغرب، ذلك التحول والتلون من اللون الاشتراكي إلى اللون الرأسمالي هو ما جعل المخرج يختار الحرباء لأنها خير من يجسد هذا الانتقال فعليا، وكرغبة منه لإبراز أشكال المقاومة تجاه هذا التحول لم يجد إلا أن يجند جواسيس بلون الحرباء أيضا ليحاربوا في صمت وسرية ويحققوا هدفهم في ردع هذه الخيانة واستئصال الخونة من أوكارهم والذين لا يمكن الوصول إليهم دون التنكر في لون حرباء. إن المخرج "إميل كريستوف" وهو خريج المدرسة السينمائية البلغارية ذات التاريخ العريق والذي لا يستهان به عالميا، لم يجعل من فيلمه عرضا بسيطا وسطحيا، إذ هو عرض معقد ومكثف من كثرة الرموز التي حملها والتي تتطلب متلقيا عالي الذكاء وواعيا بالخلفيات السياسية والفكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والتي تمخض عنها إنتاج فيلم كهذا، والذي يدخل بجدارة في خانة الأفلام البوليسية والسياسية والتي تعنى بحمل رسالة حملها المخرج البلغاري "إميل كريستوف" ووقعتها حرباء في فيلم ثقيل، ورغم كل التعب والجهد الفكري الذي بذله الجمهور والمتابع للفيلم في فك شفراته والربط بين عناصره المجتزئة، فإن الفيلم لم يخف تشويقا وتفاعلا مع الكثيرين ممن حضروا العرض والتصفيقات والضحكات المرفوقة بمشاهد الفيلم، من خلال مشهد القبلة التي تجمع بين الرئيسين الشرقي والغربي والتي تعكس شكلا من أشكال التواطؤ أكثر من تضامن واتحاد، ومظهر المرأة البدينة والتي لا تفتأ تظهر جمالها ومفاتنها رغم تقدمها في السن إلى درجة أنها قضت وهي تحاول أن تضيق حجم خصرها بمساعدة البطل "باتكو" والذي قام بعصرها حتى الموت ..، أو حضور البطل مع صديقته عرض فيلم "كازابلانكا" والذي بالإضافة لرومانسية الفيلم ومكانته في قلوب الجمهور وشهرته يعتبر نقطة تقاطع بوليسية تجسسية في المنطقة، في إسقاط لنقاط الاشتراك مع فيلم "لون الحرباء" عاطفيا وسياسيا، بالإضافة لتيمات ورموز أخرى لا يمكن أن يفهمها المتلقي دون حضور للفيلم. لقد جمع فيلم "لون الحرباء" شتات حقبة تاريخية واختزل كل ألوان طيف المهرجان في أمسيته الاختتامية والتي حضرها جمهور غفير ليمضي اختتام أيام الفيلم الأوروبي بالجزائر.