لا تزال، تداعيات الإنتخابات الرئاسية التي جرت في إيران، تصنع الحدث وتتصدر قائمة الأخبار العاجلة والساخنة، الأمر لا يتعلق بمجرد موجة احتجاج يقودها أنصار ''الخاسر'' في هذه الانتخابات على النتائج التي أعلنت، بل يتجاوز إلى ما هو أعمق وأبعد بكثير· ولعله ''احتجاج بطعم الثورة'' إن لم يكن ''الثورة'' نفسها ، فالتحدي الذي شكله المتظاهرون من خلال ''مسيرة البحر الأسود''، الخميس الماضي، - بالرغم من عدم التصريح لها -، لم يسبق أن حدث من قبل في إيران الملالي منذ .1979 والإحتكام للشارع، عوض ''الإلتزام بأوامر'' ولاية الفقيه ''التي طالبت بإيقاف التظاهر في الشوارع، وانتظار نتائج التحقيق الذي يقوم به مجلس تشخيص مصلحة النظام، لهو دليل آخر على أن هذا الحراك الشعبي الذي تقوده شخصيات لها موقعها الوازن في نظام ''الثورة الإسلامية'' يهدف إلى إحداث تحولات عميقة في ميكانيزمات الحكم، أكثر منه ''احتجاج على نتائج انتخابية''، وذلك بعد ثلاثة عقود من ركود الفقه السياسي لهذا النظام، الذي لا يعيش خارج دائرة التعارض مع الآخر، لأن ذلك يمثل مبرر بقائه· ويبدو أن الشارع الإيراني أضحى أكثر قناعة بإمكانية التغيير، وبإمكانية التحدي، أيضا، بعد أن ظل ساكنا، يولي أمره، كله، ل ''الفقيه'' الذي لم يعد معصوما، كما اكتشف الإيرانيون، مؤخرا· ولعل أحد المؤشرات المهمة التي تدلل على ذلك، هو غياب ''مير حسين موسوي'' عن خطبة الجمعة التي يقيمها ''خامنئي'' في جامعة طهران، بالرغم من أن مصادر إيرانية أكدت، مسبقا، أن ''المرشد''، دعا، موسوي خلال لقائهما، أن يكون بجانبه في خطبة الجمعة حتى يبطل الكثير من الأقاويل التي ترددت عن الإنشقاق، الذي بدأ يدب في جسد النظام، الذي بدا متلاحما لعقود، متمثلا في مرشده الأعلى، من جهة، والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، ومن خلفه مير موسوي وخاتمي، من جهة أخرى· إلا أن الغياب المشهود لموسوي وأنصاره الكبار، عن ''خطبة المرشد'' التي خصصت لمعالجة الأزمة يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الأمر ذاهب إلى مزيد من التصعيد، وأنه لا يتعلق برفض النتائج فقط، كما يتصوره البعض· والواقع أن التساؤل الجدي المطروح في المشهد الإيراني عن مدى قدرة المعارضة على رفع التحدي أكثر، والذهاب بعيدا، في اتجاه استغلال حالة الحراك القائم، لفرض وقائع معينة، وإحداث تحولات ديمقراطية، أمر لا يمكن تأكيده، ولكنه لم يعد مستحيلا·