يخطو العالم خطواته الأولى نحو المخرج من نفق الأزمة العالمية المظلم مع بداية العام الجديد، خطوات وإن كانت غير متثاقلة ومحفوفة بمخاطر الإنتكاس في أية لحظة، تبقى مؤشرا إيجابيا على تعافي الإقتصاد العالمي من تبعات أزمة هي الأعنف بعد الكساد العالمي لسنة .1929 بالرغم من المظاهر الأكثر مأساوية بالبلدان الغربية وبدرجة تكاد تكون مماثلة بدول ارتبطت اقتصاداتها بالأولى، ظلت الجزائر وأغلب الدول النفطية بمنأى عن الأزمة باستثناء بعض الأعراض الجانبية التي لم تكن لتتفاداها الجزائر بفعل عامل العولمة الإقتصادية، والفضل يعود ولا ندري لسوء أم لحسن حظ الجزائر إلى الإحتياطي الهام من العملة الصعبة المتأتي من العائدات الطاقوية· بقدر ما تبدو أرقام البنك الدولي مطمئنة بالنسبة لمؤشرات النمو للعام الجديد، بقدر ما تدعو للتساؤل عن جدوى استمرار بناء التحاليل والتوقعات على سعر البرميل، رغم كل المخاطر المحيطة باستقرار سعر الذهب الأسود في الأسواق العالمية، إذ يتوقع البنك العالمي أن يستقر سعر البرميل خلال العام الجاري في حدود 76 دولارا، كما يتوقع نسبة نمو للناتج الداخلي الخام للجزائر تناهز 4,3 بالمائة· كما تبدو توقعات مؤسسة ''بريتن وودز'' أكثر تفاؤلا بالنسبة للسنة الموالية، أي 2011، إذ من المتوقع أن تصل نسبة النمو إلى 4 بالمائة· البنك العالمي وإن كان رأيه مبنيا على اجتهادات علماء ومختصين مرموقين، إلا أن توقعاته تصب في مجملها في الإقتصاد الكلي، ولا يمنحنا أية مؤشرات للوضع الإقتصادي في شقه الجزئي، إذ يغيب عن مؤشراته الدقائق الإقتصادية للبلاد وحجم النمو خارج المحروقات بالإضافة إلى تأثيرات التضخم و مستوى الإنفاق العمومي الذي يكاد يكون المحرك الحصري للإقتصاد من خلال مجهود تمويلي ضخم في إطار مخطط خماسي جند له مبلغ 150 مليار دولار· وبالنظر إلى حجم الإستثمارات العمومية، يبقى قطاع الأشغال العمومية والسكن أهم، إن لم نقل القطاعات الوحيدة التي تسجل نموا إيجابيا مهما، بينما تبقى قطاعات إستراتيجية كالصناعة والفلاحة في ذيل القطاعات حتى لو سجل قطاع الفلاحة نموا، غير أنه مرهون أيضا بتقلبات عوامل مادية و موضوعية· إن الاعتماد على مؤشرات البنك الدولي تعد موادا للاستهلاك السياسي أكثر منها للتحليل الإقتصادي المبني في الأساس على معطيات لا نشك في صلابتها بالنسبة لهيئة مثل البنك الدولي التي تمتلك من البيانات ما يؤهلها للتنبؤ بالوضع الاقتصادي، غير أنها في العموم تبقى رهينة تقلبات الإقتصاد العالمي المعرض في أية لحظة لهزة كتلك التي لم يستفق منها بعد، هزة في الواقع لم يتكهن علماء البنك الدولي المرموقون بحدوثها·