من لم يشاهد المقابلة التي جمعت منتخبنا بنظيره المصري، عشية أول أمس، يعتقد منذ الوهلة الأولى أن النصر المظفر كان من حليف الجزائر، إلا أن الهبة التي نقلت مشاهدها مباشرة قنوات التلفزيون الجزائرية الثلاث، إلى جانب عدد من القنوات الإعلامية والمراسلين الأجانب، ما هي إلا صورة تضامنية مع رفقاء زياني· إحتفالات ودعم شعبي منقطع النظير ل ''أفناك الصحراء'' لا أحد يمكن أن يجزم بأن هذا حال جماهير انهزم ممثلها في مباراة نصف نهائي كأس أمم إفريقيا·· لكن هذا هو الواقع ولسان حال الجزائريين حيث لم ينتظر الشعب إشارة من أحد حتى قذفوا بأنفسهم إلى الشوارع مع إعلان الحكم البينيني صافرة نهاية المباراة التي عادت نتيجتها لصالح مصر بأربعة أهداف نظيفة، خرج آلاف الجزائريين يهتفون بحياة الفريق الوطني من العاصمة إلى وهران إلى قسنطينة مرورا بعنابة إلى 48 ولاية، كل الفئات خرجت·· تعالت الزغاريد وأطلقت الألعاب النارية التي حولت ليل الجزائر إلى نهار، حتى الأطفال انخرطوا في المسيرات التي سارت عبر العديد من المدن نحو نقطة الالتقاء والتجمع·· الكل قال ويقول وسيبقى يقول ''إنهزمنا أمامكم، هذا هو حال الكرة، لكن نحن من أقصيناكم من المونديال، وسنقارع الكبار، وسنفعلها كلما سنحت الفرصة، ولن تتذوقوا أبدا نشوة المونديال مادام لدينا فريق له عزيمة من حديد، ولاعبين كتبوا أسماءهم من ذهب في سجل قلوب الشعب الجزائري.. بوقرة، عنتر يحيى، حليش، وبلحاج صخرة الدفاع الذي يصعب في كل الأحوال اختراقه، زياني محرك الفريق، والبقية الباقية في الطريق أمثال مغني ويبدة اللذين نشطا أول كأس إفريقية في مشوارهما في الفريق الوطني''· مشوار الخضر كان طويلا·· وتمتعنا على مدار سنة بعزيمة فولاذية لا أحد ينكر الأجواء الجميلة التي صنعتها التشكيلة الوطنية طيلة التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا وكأس العالم، فرغم أن التشكيلة الوطنية حديثة النشأة ولا يتعدى متوسط أعمار لاعبيها 24 سنة، إلا أنهم استطاعوا أن يصنعوا الفارق بالإرادة الفولاذية التي تحلوا بها، دون أن ننسى الدعم الكبير الذي تلقوه من الشعب الجزائري، كبيرا وصغيرا، في الفرح والقرح، حتى في لحظات الهزيمة لم يتخلوا عن فريقهم، ليبقى هذا المشوار محفورا في ذاكرة كل جزائري لم يتوقع اليوم أن تصل تشكيلة المدرب سعدان إلى ما وصلت إليه، دون أن ننسى أننا سنلعب مباراة المركز الثالث ضد فريق نيجيريا، عشية اليوم، وكذلك كأس العالم في شهر جوان المقبل· مباريات مالي وأنغولا وكوت ديفوار صنعت الفارق بداية ''الخضر'' خلال الكأس كانت غير موفقة، فكل الشعب الجزائري أجمع على أن البداية كانت كذلك بتلقي هزيمة على يد الفريق المالاوي الصغير، ومنه أدرك رفقاء منصوري أن الكأس لا تفرق بين منتخب صغير وآخر كبير، لأن الغلبة تكون لصالح من يتحكم في الكرات ويحسن استغلال الفرص، ومنها كانت الانطلاقة والعودة، من جديد، إلى المنافسة بتلقين كل من مالي وترويض أنغولا والإطاحة بكوت ديفوار، وبذلك تخطى الفريق العقبات، وذلل الصعاب، ووصل إلى دور أجمع العديد من المحللين على استحالة بلوغه· الإقصاء مر·· والمونديال هدفنا الآلاف من الجزائريين خرجوا إلى الشارع محتفين، ليس بالخروج من المنافسة على يد المصريين، بل الخروج كان تلقائيا وتحية للمجهودات الجبارة التي بذلها رفقاء حليش الذي اعتبرته الجماهير الرياضية وغير الرياضية كبش الفداء الذي دشن به الحكم البينيني ''كوفي كوجيا'' سلسلة البطاقات الحمراء التي تفنن في إخراجها في وجه لاعبي جزائر محطما بذلك الرقم القياسي في عدد البطاقات التي أخرجها الحكام خلال هذه الكأس، وعبر كل الجزائريين عن حزنهم وسخطهم من الهزيمة المرة، غير أنهم تفاءلوا بلعب المونديال بعد غياب دام 24 سنة من دون مصر بعد إقصائها على يدي ''الأفناك'' في كل من موقعتي الجزائروأم درمان اللتان ستبقيان راسختين في أذهانهم على مر السنين· لقاءاتنا ستتجدد·· وسنقصيكم في كل مرة تسنح لنا الفرصة من خلال الهتافات التي تعالت دعما وتعاطفا مع الفريق الوطني، أكد العديد من المناصرين على أن لقاءات الفريق الوطني أمام غريمه التقليدي المصري ستتجدد و''سنجدد لكم الموعد في الآجال المقبلة لنضرب لكم موعدا بإقصائكم من مونديال 2014 وحتى لو سنحت الفرصة من كأس أمم إفريقيا''.. هكذا أجمع الجزائريون معتبرين مباريات الجزائر ضد مصر ''داربي'' لا يمكن التفريط فيه ومباراته بألف مباراة· الجماهير تطالب بوتفليقة باستقبال ''الخضر'' استقبال الأبطال طالبت، الجماهير التي خرجت إلى الشوارع تلقائيا، تحضير استقبال جماهيري أضخم من ذلك الذي تم بعد موقعة أم درمان بعد اقتطاع تأشيرة التأهل إلى كأس العالم المرتقبة في جوان 2010 بجنوب إفريقيا، حيث دعت الجماهير التي استقبلت ''الحضر'' بحفاوة منقطعة النظير لم تعرفها الجزائر المستقلة، إلى استقبال مماثل تكون بدايته من مطار هواري بومدين وينتهي في قصر الشعب لدى رئيس الجمهورية وذلك تقديرا من كل جزائري للمجهودات المبذولة من الفريق الشاب الذي قارع الكبار وتحدى الخبرة بإرادة رسخت معنى المواطنة في صميم الجزائري، فما عجزت عنه السياسة حققته الكرة، فشكرا ألف شكر ل ''الخضر''!!.