أثبت الحراك الشعبي المتصاعد منذ ال22 فيفري الماضي حجم الضغط والاحتقان الذي عاشه الشعب الجزائري على مدار سنوات طوال وشعوره بالحيف والظلم المسلط عليه في مختلف مناحي الحياة من غلاء للمعيشة وانهيار للقدرة الشرائية وتدهور لقيمة الدينار وانتشار للرشوة والبيروقراطية وطغيان المال الفساد في تسيير شؤونه العامة تحت أكذوبة التقشف، الأمر الذي زاد من رقعة المعاناة لدى الشارع الذي أراد له النظام أن يخنع للأبد بتذكيره بين الفينة وأختها بالعشرية السوداء. ورغم محاولة البعض جس نبض الشعب ومقايضته بالعهدة الخامسة و بالأمن والاستقرار سعيا منهم لتدجينه إلا أن كلمة الشعب نطقت بعكس ذلك عبر ثلاث جمعات متتالية لا للعهدة الخامسة ولا لنظام فاسد بأسلوب هادئ وحضاري برهن عبره للعالم بأنه شعب عظيم، كسر من خلالها حاجز الخوف و رمى بكل المطبلين و المتسلقين إلى خارج التاريخ رغم محاولة العديد من الشخصيات والمنظمات ركوب الموجة، أمثال لويزة حنون و موسى تواتي وعلي لغديري وغيرهم كثير بعد طردهم من المسيرات ووصفهم بنعوت أذناب السلطة والسراقين ... امتداد الحراك إلى كل أطياف و فئات الشعب الجزائري والتخندق تحت راية واحدة وشعار واحد "لا للعهدة الخامسة" كان تحصيل حاصل بفعل الاستفزاز والاهانة الكبرى التي شعر بها منذ سنوات ظل صداها يتردد عبر حناجر وأهازيج جماهير الأندية الكروية بالعاصمة مرورا بجماهير اتحاد العاصمة و المولودية واتحاد الحراش وحسين داي في وصفها لكل ما يحاك كتنفيس لما يعانيه الشباب الجزائري، ليتطور الأمر للفضاء الأزرق الذي أظهر سطوته في لم الشعب وهزم ممارسات السلطة المتعجرفة، وهي التي فقدت بوصلة الثقة بينها وبين شعبها منذ زمن بعيد، لم تستوعب خلاله الدرس جيدا، آخرها مخرجات قانون المالية لسنتي 2016 و 2017 التي أثقلت من خلالهما كاهل الشعب بفرضها للضرائب تلو الآخرى رغم تسويقها شعارات خادعة ومزيفة بأنها السلطة الوحيدة في العالم التي تقدم لشعبها كل شيئ بالمجان من تعليم وصحة و توفير السكن وخلق مناصب عمل للجميع مع أن الواقع يدحض ذلك جملة تفصيلا. المتظاهرون في كل الولايات جابوا الشوارع مطالبين الرئيس بوتفليقة العدول عن الترشح بل والأكثر من ذلك باعثين برسالة مفادها أن الرئيس بوتفليقة المريض والمغيّب عن كل الأحداث منذ آخر خطاب له يوم 8 ماي 2012 بسطيف يستحق الخروج من الباب الواسع بعيدا عن كل صراع ومصالح تخدم المال الفاسد، ورغم كل هذا الحراك المتصاعد عبر ولايات الوطن، لم تحرك السلطة ساكنا وكأنها ماتزال تمارس الوصاية عليه، يُشتم من رائحتها التحضير لطبخة خاصة وسيناريو محبوك للخروج من الأزمة من خلال "تمرير ولاية جديدة للرئيس من سنة تسمح لأرباب الدولة العميقة بتنفيذ تغيير بات مطلبا لها قبل أن يكون مطلبا للشارع .." مثلما قال الإعلامي حبيب راشدين ، وهذا بتغيير بعض الوجوه والدفع بأخرى ذات قبول شعبي للواجهة على شاكلة تبون و بلخادم و رمطان لعمامرة...من أجل استرضاء الشعب ولو لحين... و في انتظار إعلان المجلس الدستوري لقراره عشية ال13 مارس ومن ورائه صناع القرار يبقى الحراك متواصلا وتوقه للتغيير يحبس الأنفاس فالمشهد السياسي مفتوح على كل الإحتمالات...