الجلفة ومثل باقي مناطق الوطن، عرفت هي الأخرى تواجد أنواع حيوانية لم يبقى لها أثر في وقتنا الحالي. والكثير من العلماء أرجع ذلك إلى جملة من العوامل والتي من أهمها التغيرات المناخية الكبرى التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا. لقد أثبتت دراسة المناخ القديم (paléoclimatologie) وجود فترات ماطرة في العصور الحجرية، سمحت بوجود مناخ يشبه السافانا حيث المرتفعات تغطيها الغابات والسهول غنية بالأعشاب والأشجار مما تفسره جداريات الفن الصخري، حيث تظهر العديد من الأنواع الحيوانية كالظباء بأنواعها. ولعل الحيرم العتيق أشهرها على الإطلاق (Buffle antique) (pelorovis antiquus). وهو جاموس ضخم بلغ اتساع قرونه أكثر من مترين (02م) عاش إلى الفترات المتأخرة من العصر الحجري الحديث. بالإضافة إلى أنواع أخرى من البقريات والأحصنة والسنوريات كالأسود والفهود وحيوان وحيد القرن. هذا الأخير الذي كان محل حفرية إنقاذية، حيث استخرجت من رواسب "واد ملاح" جمجمة له في حالة جيدة من الحفظ مع أن عمرها يتجاور 15000 سنة، حسب تقديراتنا، إلا أنه وللأسف الشديد لم تنطلق في مكان الاكتشاف أي حفرية ممنهجة من الجهات الوصية ليبقى المكان عرضة للانجراف والتدهور. جمجمة وحيد القرن التي عثر عليها في رواسب واد ملاح. تصوير: شويحة.ح ومثلما هو معلوم، فالصحراء الكبرى كانت منذ أكثر من ستة آلاف سنة أراضي تشبه السافانا الإفريقية وفيها العديد من الأودية الغنية بالمياه، كما شهد فيها العصر الحجري نهضة فنية كبرى، يتفق علماء ما قبل التاريخ على جمالية الصناعة الحجرية فيها، خاصة رؤوس السهام، بحيث يعرف هذا التيار بالنيوليتي الصحراوي. لكن بعد أن عرفت مناطق الصحراء رواجا كبيرا وعمرتها مجموعات بشرية مختلفة (زنجية وبيضاء) بدأ المناخ يتغير بوتيرة متسارعة وتناقصت الأمطار وبدأت البيئة تجف وتتغير الملامح الى بيئة جافة مقفرة ثم الى صحراوية من حوالي 3000 سنة. وقد أدى ذلك الى هجرة الكثير من المجموعات البشرية التي توجهت شمالا وجنوبا لتفسح المجال الى الصحراء الحالية والى القبائل التي تسكنها الآن. هذا التحول مس أيضا شمال الصحراء (Sahara septentrional) بما فيها المناطق التي تمثل ولاية الجلفة حاليا. حيث كان مصيرها مثل مصير الصحراء، إلا، بعض الأنواع الحيوانية قاومت التغير وتكيفت مع التحولات في المناخ والغطاء النباتي، بحيث استمرت الى غاية العصر الحديث. ومثل النعام والأسود والفهود والآروية والمها العربية وبقر الوحش والبقر الأحمر والعديد من الأنواع الأخرى حيث اعتبرت بقايا مجموعات حيوانية (Faune relique ou Vestige). من بين الحيوانات الأكثر شعبية والأكثر حضورا في المخيال الشعبي في نواحينا هو طائر النعام، ولعل المقولة الشائعة عن سيدي نايل أنه أتى الى نواحي بوسعادةوالجلفة عملا بوصية أستاذه سيدي أحمد بن يوسف الملياني، بمقولته المشهورة: "إذهب إلى بلاد النعام". صورة من الأنترنت النعام (Sthruthio Camelus) طائر من الفصيلة النعامية التي تضم 03 أنواع والتي لا يمكنها الطيران، كان منتشرا في الشرق الأوسط والجزيرة العربية وإفريقيا، إلا أن مجاله الجغرافي انحصر إلى مناطق الساحل الإفريقي وجنوب إفريقيا كما عرفت تربيته انتشارا واسعا في كل أنحاء العالم. كان النعام كثير الانتشار في كامل ربوع ولاية الجلفة ولعل محطات النقوش الحجرية، التي يزيد عددها عن 50 محطة للنقوش والرسوم الحجرية، هي خير دليل على الانتشار الكبير لطائر النعام في هذه الربوع. حيث تظهر نقوش هذا النوع أحيانا بفنية عالية وأحيانا أخرى في شكل نقوش رديئة تعكس تقهقر الفن الصخري على العموم ويمكننا حصر بعض المحطات التي توجد بها نقوش لهذا الطائر وهي: عين الناڨة، الڨور، حجرة سيدي بوبكر، حجرة المُختمة الجنوبية، خنڨ الهلال، صفية بورنان، سيدي عبد الله بن أحمد، ثنية بومديونة، زكار. صورة لطائر النعام من فترة النقوش المتقهقرة. محطة ثنية المقام. تصوير: شويحة حكيم نعامة بنمط تازينة. محطة سيدي عبد الله بن أحمد. تصوير: شويحة حكيم. بتاريخ 10.10.2009 حيث تعتبر جل نقوش طائر النعام من الفترة التي تلت النقوش ذات النمط الطبيعي (Naturaliste de grande dimension) والتي أنجزت في مجملها تقريبا بطريقة النقر (Piquetage). ومن بين كل النماذج تعد نعامة كل من محطة بوضبيب ورڨوبة حريز وواد الحصباية أجمل النماذج. نعامة محطة واد الحصباية (الأغواط) تصوير: شويحة حكيم تاريخ: 2009.11.29 يتضح من خلال دراسة هذه المحطات أن النعام لم يكن أبدا غريبا عن هذه المَواطن خلال كل الأزمنة السابقة. فالشواهد كثيرة جدا إلى درجة أنه يمكن ملاحظة كسور بيض النعام في كثير من المواقع، خاصة ملاجئ إنسان ما قبل التاريخ والمواقد القديمة. كما يكثر بصورة ملفتة للانتباه في مواقع معينة مثل منطقة الحزام الرملي المعروف بزاغز (Zahréz) وكذا بعض المواقع في صحراء مسعد ومناطق العيش القريبة من ضفاف واد جدي. لقد لعب النعام دورا مهما لدى كل المجموعات البشرية التي تداولت على الأطلس الصحراوي وسفوحه وكانت لحومها تساهم في التغذية وشحومها التي عرفت "بالزهم" وحتى بيضها الذي نجده في كل مكان خاصة في الملاجئ التي عمرها إنسان ما قبل التاريخ وفجر التاريخ. ونظرا لشيوع استغلال بيض النعام خاصة في الفترة القفصية والنيوليتي ذو التقليد القفصي (Néolithique de tradition Capsienne) فإن بعض المختصين في فترة ما قبل التاريخ، يرجعون فقر العصر الحجري الحديث في الأطلس الصحراوي للفخار إلى بقاء عادة الإحتفاظ بالماء في بيض النعام الذي يعد خصيصا لذلك، مما لم يشجع على الصناعة الفخارية وإلى قلته على العموم، وهذا ما ذهب اليه العالم هنري لوط وآخرون و إن كان مجرد فرضية. كما لاحظ نفس العالم غياب مشاهد صيد النعام في الفن الصخري في منطقة جبال "أولاد نايل" عكس مناطق "الهڨار" و"آير" وموريتانيا باستثناء مشهد في محطة صفية بورنان. نعامة في محطة صفية بورنان، تصوير شويحة حكيم، 2009 وكما هو معروف عند أصحاب الاختصاص فإن وجود النعام في النقوش والرسوم الحجرية لا يعطي أي نظرة حول الظروف الفيزيائية (مناخ بيئة) التي سادت في المنطقة مثله مثل الأسود نظرا لاتساع نطاق توزعهم الجغرافي وعيشهم في مختلف البيئات حتى الجافة منها. يتداول الناس هنا الكثير من الروايات حول طائر النعام ومن بينها أنه كثيرا ما يتم العثور على بيض النعام كاملا دون كسر وأحيانا أعشاش قديمة بقيت محفوظة نتيجة الترسبات الرملية التي حافظت عليها وكنتُ أعتبر ذلك من النادر. لكن التجربة الميدانية أثبتت أن ذلك شائع فعلا حتى أنني في إحدى المهمات الميدانية في منطقة "منكب بن حامد" شاهدت بيضة وقد تكسرت نتيجة مرور المحراث عليها. ولعلنا نتذكر من خلال الروايات الشعبية أن "سيدي عطية بيض القول"، رحمة الله عليه، قد دُعي ببيض القول لأنه كان في صغره يأتي ببيض النعام من منطقة زاغز حيث كان أقرانه في ذلك الوقت يعتبرونه بيض غول لكبره. و إن كانت الرواية التي يتمسك بها العامة أنها من أبيض القول لصدقه وأمانته.
بيض نعامة حديثة الانكسار. منطقة منكب بن حامد بلدية تعظميت. تصوير: شويحة حكيم 2015.04.24 كما يعزى اسم حاسي بحبح إلى النعام أيضا حيث يقوم ذكر النعام بتحضير بقعة من الأرض بتنظيفها من كل الأعشاب والحصى. حيث يدعوها الأوائل "بالبحبوحة" وهي دليل وجود النعام أو بداية تعشيشه أو عش قديم. ويقال أن موقع البئر التي أقيمت أول مرة كانت في بحبوحة حتى أن دلالة عدم وجود شيء أو الخلو من الدراهم هو لفظ "أمبحبح" أو "بح" وهي كلها ألفاظ لها علاقة بلفظ بحبح والمعنى إذن هو البئر المحفورة في البقعة الجرداء. للنعام قصة مشهورة في منطقة عمورة والتي تشتهر بوجود أقدم موقع لأثار أقدام الديناصورات بعد موقع كونكتيكت (Connecticut) في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتتعلق القصة ببصمات لأقدام ديناصورات صغيرة كانت محل أسطورة يتداولها سكان البلدة على أساس كرامة لأحد الأولياء الذين سكنوا بلدة عمورة، حيث تقول الرواية: إنه في زمن من الأزمنة استقر في القرية ولي صالح يدعى "سيدي بوزيد الكلثومي" والذي اتخذ لنفسه خلوة في القرية يتعبد فيها وكان أهل القرية يطعمونه مما رزقهم الله. وحدث أن جاء في يوم من الأيام رجل صالح آخر يدعى "سيدي عيسى بن محمد" واستقر بها وكانت له علاقة طيبة مع سيدي بوزيد الكلثومي. ويُروى أنه في يوم من الأيام وقع تنازع بينهما على أمر. فأراد كل منهما إظهار قوته فاتفقا على أي منهما يترك آثارا على صخر القرية الأصم: هل هي نعامة سيدي بوزيد أم فرس سيدي عيسى بن محمد؟ وبعد المحاولة ظهر لسكان القرية أن فرس سيدي عيسى لم تترك أي أثر بينما نعامة سيدي بوزيد تركت بصمات غائرة في الصخر الصلب. وهو ما أدى إلى انسحاب سيدي عيسى ومغادرته لقرية عمورة وبقيت الرواية إلى يومنا هذا. حتى أن العالمين لومال (Le Mesle G) و بيرون (P.A Peron) عنونا بحثهما حول البصمات ب "عن آثار أقدام طيور في الجنوبالجزائري": (sur les empreintes de pas d'oiseaux observés par le Mesle dans le sud de L'Algérie). وهذا البحث صدر سنة 1880 قبل أن يتطور علم الإحاثة وتظهر الاختصاصات المتعلقة بمجال الديناصورات وبصماتهم. ليبقى الأمر على نفس النظرة إلى أن أصدر العالمان بيلار (P.Bellair) دولابارون (A.F.delapparent) خلاصة بحثهما في مقال سنة 1948 بعنوان: الطباشيري و أثار أقدام الديناصورات بعمورة. وذلك في نشرية مؤسسة التاريخ الطبيعي ليتم تصنيف بصمات عمورة من طرف العالم فيليب تاكي (P.Taquet) تحت إسم Amouraensis Columbosauripus بصمات ديناصورات عمورة التي كان يعتقد أنها تعود لطائر النعام،عمورة، تصوير: شويحة حكيم تاريخ: 2019.12.06 في منطقة الجلفة إرتبطت بعض الطوبونيميا بالنعام، نظرا لانتشاره الواسع والى تواجده الى غاية بداية القرن العشرين دون أن ينقرض كليا من أقصى الجنوبالجزائري الى غاية خمسينات القرن الماضي. يدعو العرب النعام بتسميات مختلفة فهناك "الرال" وهو صغير النعام بينما يطلقون على ذكر النعام اسم "الظليم" أما الأنثى فيدعونها "الربدا" أو "الرمدة" ويطلق على مجموعة من النعام بالفرڨ (فرڨ نعام). من بين الطوبونيمات المشهورة منطقة "واد الرال" نسبة إلى صغير النعام. وهذا الوادي هو رافد من روافد واد تعظميت التي تصب مياهه في واد جدي وحوض مصبه من الجبل الأزرڨ ومنطقة القنطرة التابعة لتراب بلدية الدويس. وهناك أيضا "واد الرال" في تراب بلدية فيض البطمة و"ضلعة الرال" في نفس المنطقة. وفي سد رحال توجد منطقة تدعى "مقدر الرال" وأصلها "مغدر أي موضع الغدير" لأن سكان الجلفة يقلبون الغين قافا في كلامهم. أما لفظ النعام أو النعامة فهناك أيضا العديد من المناطق والمواقع بهذا الطوبونيم وأذكر منها: "ذراع النعامة" بتراب بلدية المليليحة قرب "عقلة الشويوية" المشهورة. وهناك "ضاية النعامة" قرب منطقة "قريقر" بتراب بلدية الشارف. كما يوجد قرب جبل "صبع مقران" ثنية تدعى "ثنية النعام" بتراب بلدية زكار، وثنية أخرى تدعى أيضا "ثنية النعام" بتراب بلدية المليليحة. إضافة إلى "ثنية بنعام" بمنطقة "الجلال الغربي" وواد "بنعام" جنوب مدينة الجلفة وهو من الروافد الأساسية لوادي ملاح. كما توجد مناطق أخرى ارتبط اسمها بالنعام مثل منطقة "الظليم" بتراب عمورة نسبة إلى ذكر النعام. ومنطقة "الظليم" جنوب واد جدي وشرق واد النخلة في تراب بلدية "راس الميعاد". وتوجد في "جبل الدهوان" في تراب ولاية الأغواط ثنية تدعى "ثنية الظليم" في كاف متيليلي كما يوجد في جبل الزرڨة في المنطقة الحدودية بين بلدية الدلدول و"عين الإبل" وبالضبط جنوب منطقة ثنية المقام أو ثنية المزاب (ممر لقوافل بني ميزاب) منطقة تعرف ب "بطحات الظليم" وهو موقع يحوي نقوشا حجرية. ولعل الملاحظ هنا أن النعام يُفضل الأراضي المستوية القليلة التضاريس ليراقب عن بعد بفضل بصره القوي و ليتجنب الضواري والصيادين. أما الأسماء المتعلقة بأنثى النعام والتي يدعوها العرب بلفظ "ربدا" فتذكر إحدى الروايات عن نزال لفرقة من "أولاد أمحمد" مع عشيرة أخرى في موقع يدعى "بطحات الربدا" في منطقة غرب زاغز (غير معلومة). وتجدر الإشارة إلى أن الڨوم (مجموعة من الفرسان) تتفق على النزال في أغلب الأحيان في أراضي مستوية قليلة التضاريس. في منطقة زكار أيضا موقع أخر يدعى "ذراع أم الرمدا" وقيل هي أيضا من مسميات أنثى النعام لأن ريشها يميل للون الرمادي. لقد كان النعام حاضرا بقوة في كثير من مناحي الحياة البدوية وعند أهل الحضر حتى أنه موجود كلقب عند بعض الأسر من الجلفة وحتى مدينة عين الريش نسبة لريش هذا الطائر. كما كانت الكثير من القبائل تحترف صيد النعام، ففي الجلفة كان عرش أولاد يحي بن سالم من أمهر الصيادين منافسين في ذلك عرش المخاليف المشهورين بصيد النعام. وتذكر المصادر الفرنسية أن عرش الأحداب كانوا يصطادون النعام ويتاجرون بلحومها ومضاربهم هي جبال "الخيذر" و"سبع روس" و"أوكات" وكلها بتراب ولاية الجلفة حاليا. ونفس الأمر بالنسبة لبعض الفرق الأخرى التي اتخذت من ريش النعام وحتى من لحمه وزهمه تجارة. وقد عرف سوق بني ميزاب بغرداية رواجا كبيرا لريش النعام حيث اختص بتجارته بنو ميزاب والحرازلية، وكانت كل قبائل الجنوب تأتي بريش النعام الى أسواق الشمال بالإضافة الى باقي السلع والمواد كما عرف بعض تجار أولاد سيدي الشيخ ببيع ريش النعام وأنهم كانوا يحضرون الى أسواق الصحراء (بني ميزاب، متليلي، الفڨيڨ، تيميمون، بلاد قورارة) أمظال مزينة بريش النعام (جمع مظل). ذكر نعام (ظليم)، صورة من الأنترنت تشبه الى حد بعيد بيئة منطقة زاغز لقد حوت جُل القوافل التجارية ريش النعام ضمن سلعها وكانت القوافل البعيدة والركب تستعين برجال أصحاب خبرة والكثير منهم كان يصيد النعام و كثير السفر يدعونهم "المناير" (نور). وحتى لحم النعام كان يباع وعليه إقبال كبير وفي سوق بوسعادة كانت أحيانا تباع أفراد من النعام والغزلان الحية المجلوبة من كل الصحراء. أما بيضُها فكان يباع للزينة حيث يفرغ بثقب صغير و يعلق بأحزمة من الجلد. الأكيد إقبال الناس عليه وحتى الأوروبيين سارع في وتيرة انقراضه، حيث لم يفكر الناس آنذاك في تربيته وإنما اتسع صيده كحرفة لكثير من الناس. كان صيد النعام يبتدئ مع نهاية الربيع وارتفاع درجات الحرارة التي يستغلها الصيادين في إنهاك الطيور وتربصه في أماكن الماء (الغدير). وكان ضمن أولاد نايل بعض البيوتات التي تحترف صيد النعام بكلاب السلوڨي التي تحمل فوق الجياد وتطلق حين رؤية هذا الطير. إلا أن أكثر طرق صيده بتوجيه فرق النعام (الوحاية) (rabattage) نحو مجموعة أخرى من الصيادين الخيالة التي تتربص به خلف رابية أو شجرة من البطم أو في إحدى الشعاب تجنبا لبصره الحاد. ويتم صيد بعد إنهاكه بالجري. الإقبال على ريش النعام جعل الصيادين يبحثون عنه حتى في أعماق الصحراء. لقد كان البدو خاصة البيوت الكبيرة يضعون باقة من ريش النعام فوق رأس الخيمة للتفاخر ولإظهار المكانة الاجتماعية. وكانت هذه الميزة منتشرة في بعض فرق أولاد نايل وفي قبيلة أولاد سيدي الشيخ الذين كانوا يتخذونها لتمييزهم (مرابطين)عن القبائل الحليفة لهم. كما كانت نساء أولاد نايل تتزين بريش النعام بوضع الريش فوق الرأس وكان يدل ذلك على مكانة المرأة وجاهها حتى أنها أصبحت مضرب المثل على المرأة التي تترفع عن العمل بقولهم: على راسك ريشة؟. والريشة التي كانت توضع على الرأس تدعى "نزورة" (Nzoura) وكانت شائعة جدا بين نساء أولاد نايل حتى أنها انتشرت بين النساء الأوروبيات وبائعات الهوى. صور من الأنترنت حضور النعام في الحياة اليومية لأهل المنطقة جعله مضرب الأمثال والحكم، فعلى سبيل المثال يشبه أهل الجلفة على من يضمر الحقد ببيض النعام بقولهم: كبيض النعام أبيض من برة وأكحل من الداخل. كما يقال لمن يكسب عيشه بالخداع والتدليس أو للتوعد بقولهم "تراها يا صايد النعام". ويُضرب بها المثل للطول وحتى أعينها كانت مضرب المثل لجمال رموشها واتساعها. ساهمت العديد من العوامل في انقراض هذا الطائر في بيئة شمال إفريقيا ولعل أحد العوامل المهمة التي كان لها وقع على الحياة البرية في نواحينا هي خرجات الضباط الفرنسيين للصيد، خاصة الذين عرفوا بهذه الهواية. وتذكر المصادر أن الجنرال مارڨريت (Margueritte) كان يصطاد النعام بين الأغواطوغرداية في 1855 وأن حصيلته من الصيد تجاوزت كل توقع. ويقال أن حملات الصيد التي قام بها الفرنسيون أدت في الأخير انقراضه وإن حاولت الإدارة الفرنسية آنذاك حمايته بعد فوات الأوان. تقول الملاحظات أن النعام انقرض من منطقة الضايات بين غردايةوالأغواط بين 1861م و1890م كما شوهد قطيع منها بين القرارة وواد النسا سنة 1861م. وهناك ملاحظة أخرى له في منطقة رشايقة (تيارت) في 1873م ويزعم بعض شيوخ المنطقة على أن النعام ظل موجودا في رمال زاغز (Zahréz) إلى بداية القرن العشرين. في الفترة المعاصرة انتشرت بعدة دول تربية النعام بصورة كبيرة جدا فصار هنالك مزارع تضم المئات منها. كما أصبح بيض النعام يباع في بعض المحال المختصة نظرا لسهولة تربيته ونمط تغذيته المتنوع. هذه الخصائص تجمل إمكانية إعادة إدخاله للبرية في الجزائر أمرا عمليا حيث يمكن إنشاء محميات بيئية في المناطق السهبية وفي السفوح الجنوبية للأطلس الصحراوي أو ما يعرف بالمراعي الشبه صحراوية وفي مناطق عديدة من الصحراء. وذلك بالتنسيق بين كل الأطراف الفاعلة كمديرية الغابات (DGF) والمحافظة السامية لتطوير السهوب (HCDS) والديوان الوطني للحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي (ONPCAS) بالتعاون مع الجمعيات الناشطة في المجال البيئي للسهر على إنجاح المشروع ، خاصة إذا علمنا أن المراعي الشبه صحراوية لوحدها تقدر مساحتها ب 16 مليون هكتاركما تحمي المحافظة السامية لتطوير السهوب من خلال برامجها على حوالي 03 مليون هكتار من المحميات البيئية. محمية بيئية من إنجاز المحافظة السامية لتطوير السهوب (HCDS) تصوير: شويحة حكيم بتاريخ 2015. وحتى لا يتكرر سيناريو الانقراض الى أصناف حيوانية أخرى على الدولة أن تضع حدا للانتشار الغير مسبوق لظاهرة الصيد العشوائي والجائر لكل الأصناف الحيوانية بما فيها المحمية قانونا (الأمر رقم 05-06 المؤرخ في 15 يوليو 2006 والذي يتعلق بحماية بعض الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض والمحافظة عليها) وذلك بتكاتف جميع جهود الهيآت المعنية.
أنثى نعام (ربدا) صورة من الأنترنت آخر نعامة تم القبض عليها جنوب غرب عين الصفرة سنة 1962 المراجع: * سيد أحمد ولد الأمير، ريش النعام جزء من التاريخ التجاري الموريتاني - LHOTE. H, 1984. - Les gravures rupestres de l'Atlas saharien. Monts des Ouled-Nail et région de Djelfa. Alger : Office du Parc National du Tassili. - le Mesle.G, Peron P.A, sur les empreintes de pas d'oiseaux observés par le Mesle dans le sud de L'Algérie.1880 -Huard P. et Allard L, Les Figurations rupestres de la région de Djelfa, Sud Algérois, dans Lybica, Centre de recherches anthropologiques, préhistoriques et ethnographiques, Alger, tome XXIV, 1976 -Colonel Daumas, le Sahara Algérien, 1845 - F. De Villaret, siècles de steppe jalons pour l'histoire de Djelfa, 1995. - Margueritte. A, Chasse de l'Algérie.1888