"صحراء أولاد نايل" أو "صحراء قطّارة" أو "صحراء مسعد" ... تبدأ في "بلاد الضايات" وتنتهي في "بلاد الشبكة" و"السافل" التي زرنا منها "سخفة القياّد" في سبتمبر 2016 ومن هناك يمكن زيارة النقطتين المشهورتين "دزيوة" و"لكّاز" لتتوغل في صحاري غارداية وتقرت ... تسميات مختلفة لنفس الرقعة الجغرافية التي تزخر بالتاريخ والتراث والأدب الشعبي نثرا وشعرا ... إنها ملهمة الأدباء وملجأ المقاومين ومستقر القبائل البدوية المنتجعة ... تحكي هذه البلاد الكثير من الأسرار وتزخر بذاكرة البدو الرّحّل وقوافل التجار نحو أسواق الصحراء ... اليوم نقف عند واحدة من نقاط الماء فيها والمعروفة باسم "لكّاز" وهي ملك لعرش أولاد السايح ... بئر وواحة وديار لطالما شكّلت مستوقفا لقوافل أولاد نايل المنتجعة على غرار النقاط الأخرى في "القعو" و"دزيوة" و"قطّارة" ... اليوم لم يعد هناك سوى أطلال الديار والرمال التي غطّت المنطقة ... من بين أقدم النصوص التي تناولت منطقة صحراء مسعد نجد الدراسة الأنثروبولوجية للفرنسي "هوغي" سنة 1903 والتي سننشر ترجمتها مع تعليق لاحقا بحول الله. وسنكتفي اليوم بالحديث عن واحة "لكّاز" بمنطقة قطّارة اعتمادا على "هوغي" ونصين آخرين وعدة توثيقات شفوية من لدن الخبراء بصحرائنا ... فهذا المكان يثير الكثير من الشوق والنوستالجيا باعتبار الماء هناك هو مدار المعيشة والفرحة والحياة والإستقرار فتُنسج عنه القصص وتُتداول حوله الأخبار إلى درجة أن المثل الشهير "خبر وطواطي" ماهو إلا توثيق لبراعة رجل من عرش "أولاد وطية" في معرفة نقاط الماء بصحراء قطّارة ... يتحدّث عالم الأنثروبولوجيا "جوزيف هوغي" عن موضع يقع شمال شرق القرارة وفيه بئر اسمه "لكّاز" وقد وقع تصحيف في كتابة اسمه هكذا "Lekhaz" حتى يُخيّل للوهلة الأولى أن الاسم هو "لخّاز" أو "الخز". وهذا المكان ليس جديدا عنا بل كُنا قد ذكرناه في موضوع نشرناه سابقا عن آبار وعيون وغدران قبيلتي أولاد أم الإخوة وأولاد زيد استنادا الى مصدر توثيقي فرنسي سنة 1893 ... حيث أن "لكّاز" مذكور كغدير. أما نص "هوغي" فهو يشير إلى أن بئر "لكاز" تقع على مسافة 60 كم شمال شرق "القرارة" وهي نفس المسافة والموقع تقريبا شرق مدينة "قطارة" حاليا. دعّم "هوغي" دراسته بصورتين إحداهما لثلاث رجال من أولاد نايل بينما الصورة الأخرى، وهي تحت رقم 63، فتشير إلى بئر "لكاز" كملتقى للبدو الرحّل وفيها خيمة نايلية وبجانبها بضع ديار واضحة مما يحيل على ازدهارها في الماضي كمستوقف للقوافل المنتجعة نحو الصحراء. سألنا الأستاذ "الداودي أحمد"، الباحث المختص في تاريخ وتراث منطقة قطارة، عن بئر "لكّاز" فأخبرنا بأنه موضع معروف ، في تراب ولاية تقرت، يعود لفرقة من أولاد السايح وهُم من عرب الصحراء الذين تجمعهم بأولاد نايل الجيرة والمراعي والتراث والتاريخ والدين واللغة. ويقول الأستاذ الداودي أنه يوجد في لكّاز آثار قرية قديمة ونخيل طلوع وبئر ومقبرة. أما الشاعر الكبير والراوية الشيخ المحفوظ بلخيري فهو خبير بصحراء مسعد ولطالما ألهمته نجعاته بها في نظم الشعر. يقول الشيخ المحفوظ "لكاز هو بئر ماؤها مالح، تقع قبلة قطارة بمسافه قليلة. وأغلب مائها لميراد الإبل". ومن جهته يقول الشاعر الراوية الطاهر بلخيري أن "حاسي لكّاز" يُعتبر من أهم نقاط الماء بصحراء قطّارة وأن كل الرحلات المنتجعة شتاء تتوقف هناك ولا تبتعد عن هذا الموضع بالنظر إلى النقص الشديد لنقاط الماء عند تجاوز "لكّاز" ولهذا، يقول الطاهر، فإن أي تجاوز لهذه النقطة هو بمثابة مجازفة بالنسبة لأصحاب المواشي. ويسرد لنا الطاهر هنا بيتين شعريين قديمين من النصف الثاني للقرن التاسع عشر على لسان السيدة "فاطنة بنت قسمية"، رحمها الله، وهي أم جدّة أبيه، فتقول في تذمّر من نجعات الصحراء وشوقها إلى بناتها المتزوجات بمسعد: النّاس تدوّر عَ المطر والعام اخضر *** وانا ما نشتيش البروڤ تلاوح إلى أن تقول: من لكّاز يرُدنا حواسي البر *** ونشَتّوا في صحرة اولاد السايح وسنجد "هوغي" يشير فعلا إلى أهمية "لكاز" حيث يقول إن أولاد نايل ينزلون بنواحيها في جانفي من كل سنة حيث يردون ماءها رغم أنه مالح وليس بالجيد للشرب مقارنة بالمناطق الأخرى إلا أن البدو لا يهتمون بمثل هذه التفاصيل. وخلال فصل الشتاء وبفضل الطابع الخاص لمراعي هذه المناطق فإن الأغنام والإبل يمكن أن تضل لشهرين أو ثلاث أشهر دون أن تشرب. ويستطرد "هوغي" في التفصيل فيقول "يمضي أولاد نايل ثلاث أرباع العام بعيدا عن القصور غير أن نمط الترحال هذا لا يمنعهم من الإلتقاء في بعض الأوقات المحددة حيث أن لهم نقاط تجمع معروفة مسبقا مثل لكّاز". ويتفق الطاهر بلخيري في روايته الشفوية عن التغلب على مشقة المعيشة مع ما وثّقه "هوغي" الذي قال بأن أولاد نايل يعيشون في موسم النجعة بالصحراء على حليب الأغنام وقد يضطرون في حالة الضرورة الى منح خيلهم هذا الحليب كبديل للماء حتى لا تعاني كثيرا في الصحراء. وهنا يعطينا "هوغي" تفصيلا مهما وهو أن مراعي أولاد نايل فسيحة جدا ولكنها تتموضع في الضفة اليمنى ل "واد جدي" خصوصا في وادي يتّل ووادي الرتم ووادي زڤرير ووادي الفرش ووادي النسا ... وقد تتوغّل بعض خيم أولاد نايل فتنزل إلى نڤوسة وورڤلة وتڤرت ووادي ريغ. يقول الأستاذ أحمد الداودي عن قرية "لكّاز" أنها قد صارت اليوم نخيلا بورا و بيوتا قديمة متناثرة ليست بالكثيرة ... وغير بعيد عنها بمسافة 20 كلومترا يوجد موضع سياحي طبيعي مُهم وهو "سخفة القياد" وهي حفرة عملاقة وتعتبر أعمق نقطة بتراب ولاية الجلفة ... ويختم الأستاذ الداودي قائلا "لكّاز هو عرق رمل كبير به نخيل مشتت في نقطة التقاء ثلاث ولايات هي الجلفة وغارداية وتقرت ... وهي موضع ممتاز للسياحة الشتوية". لكّاز سنة 1903 ... واحة وقرية وبئر بعض رجال أولاد نايل في نجعتهم إلى الصحراء (سنة 1903) صور حديثة لأطلال قرية واحة لكاز بلاد أولاد نايل
صور مقتطعة من فيديو للسيد أبو معاذ العليوي للبقاء على اطلاع دائم بالأخبار عبر جريدتكم "الجلفة إنفو" الإلكترونية و تلقي الإشعارات، قم بتحميل تطبيق الجلفة انفو