دخلت المديرية العامة للوظيف العمومي في سلسلة اجتماعات ماراطونية الغرض منها تفكيك القنابل الموقوتة التي تركها المدير المقال، جمال خرشي، المتراكمة منذ 17 سنة التي قضاها مسؤولا أول على هذه الهيئة، في محاولة من الحكومة لتهدئة غليان الجبهة الاجتماعية. وقالت مصادر مطلعة من داخل المديرية العامة للوظيف العمومي، ل "الشروق" إن أولى الملفات التي تم الشروع في دراستها، ملف المستخدمين المتعاقدين، الذين أصبحوا يشكلون خطرا على استقرار البلاد، جراء احتجاجاتهم المطلبية المتكررة، التي نقلوها في الأسابيع الأخيرة إلى قصر الرئاسوتقدر مصادر نقابية عدد المستخدمين المتعاقدين، بأزيد من 500 ألف متعاقد، أدت إليها سياسات التصحيح الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي على الجزائر منذ منتصف التسعينيات، والتي تسببت في "تدمير" قطاع الوظيف العمومي، نتج عنه تفريخ موجة عارمة من الاحتجاجات المطلبية، تفجّرت مؤخرا بشكل مثير وبوتيرة لم تشهدها البلاد منذ الاستقلال.وذكرت المصادر أن قرار إبعاد جمال خرشي من الوظيف العمومي، كان الهدف منه إرسال إشارات مشجعة للجبهة الاجتماعية، مفادها أن الحكومة قررت إحداث قطيعة مع الماضي، وبالضبط مع قرارات فُرضت على الجزائر في ظروف معينة، وهي تريد اليوم فتح صفحة جديدة وبواجهة مغايرة، من خلال استقدام بلقاسم بوشمال، مدير التشريع بمجلس الأمة الذي يعتبر أحد أبناء المديرية السابقين، الذين لم "يتورطوا" في إصدار قرارات هي اليوم محل انتقادات المجتمع بمختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية.ويقدر عدد العمال المتعاقدين ما يزيد عن 500 ألف عامل، ينتمون للعديد من القطاعات الإدارية والخدماتية، وفي مقدمتها قطاع الصحة، الذي يحصي أكثر من 100 ألف متعاقد، وأزيد من خمسين ألف آخر في قطاع التربية، وأربعين ألف متعاقد ينشطون في قطاع الجماعات المحلية. ويتلقى أغلب العمال المتعاقدين أجورا لم تعد تساير حركية القدرة الشرائية في ظل الغلاء الفاحش الذي يطبع سوق السلع وخاصة ذات الاستهلاك الواسع، بحيث تتراوح ما بين 12000 دينار و15000 دينار، يتم تحديدها وفق شروط مقررة لدى مديرية الوظيف العمومي، على أساس المدة القانونية للعمل المقررة بحساب جزئي محدد ب 5 ساعات في اليوم، تطبيقا لأحكام القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 22 فيفري 1993. وتسعى المديرية العامة للوظيف العمومي من وراء فتح ملفات ظلت مسكوتا عنها لأزيد من عشرية، إلى إخماد لهيب بركان مهدد بالثوران في أية لحظة، وذلك عبر القضاء على الحلول الترقيعية التي عششت لأزيد من عشرية من الزمن، مستغلة البحبوحة المالية التي تنام عليها خزينة الدولة، علما أن الحكومة كانت قد ناقشت هذا الموضوع في صيف 2008، غير أنها لم تصل إلى الأهداف المنشودة من طرف العمال المعنيين. مديرية الوظيف العمومي التي وجدت نفسها في قفص الاتهام بسبب سياسة خرشي، يؤاخذ عليها، تعمدها الحيلة في التعاطي مع ملف المتعاقدين، الذي كان يخضع التوظيف فيه الى معايير عكسية، حيث عادة ما ترجح كفة أصحاب الشهادات الدنيا على حساب الشهادات العليا لاعتبارات تتعلق بما يقابل الشهادة في سلم الأجور. جريدة الشروق29-03-2011