مصنع الإسمنت بعين الإبل الكثير من الأسئلة مازالت بلا إجابة، ومصير مصنع الإسمنت بعين الإبل يحيط به الكثير من الغموض بعد أن كانت الأمور بشأنه تجري في الطريق الصحيح. فبعد الفوائض المالية الضخمة التي سجّلتها الخزينة الجزائرية بفضل العوائد البترولية، أطلقت الحكومة مجموعة من المشاريع والورشات العملاقة في مجالات النقل والسكن والري والأشغال العمومية بدأت معالمها تتضح مع بداية العهدة الثانية للرئيس بوتفليقة سنة 2004. وقد رافق كل تلك المشاريع عملية إعادة هيكلة وخوصصة لبعض فروع شركة مساهمات الدولة "المجمع الصناعي لإسمنت الجزائر - جيكا"، ابتداء من سنة 2006، قصد مسايرة الطلب على مادة الإسمنت بأنواعه والذي ما فتئ يرتفع ويضع على المحك تجسيد المشاريع المعلنة في آجالها التعاقدية. وبالعودة إلى الدراسات والوثائق والإحصائيات المختلفة التي تحوزها "الجلفة إنفو" حول تطور الطلب بسوق الإسمنت الجزائري منذ 2007، فإننا نلاحظ أن مشروع مصنع عين الإبل، وان جاء متأخرا، كان بإمكانه أن يساهم وبنسبة كبيرة في القضاء على استيراد الإسمنت وتقليص فاتورة العملة الصعبة فضلا عن آثاره الاجتماعية على الصعيد المحلي. وهو ما توقّعه مركز الدراسات العمومي "CETIM" سنة 2008 وأثبتته إحصائيات المركز الوطني للإعلام والإحصائيات التابع للجمارك الجزائرية في جانفي 2014 حول أرقام استيراد الإسمنت. حيث أن هذه الأخيرة قد بلغت حوالي 370 مليون دولار كفاتورة لاستيراد الإسمنت، كان يمكن توفير أكثر من 220 مليون دولار منها لو قُدّر لمصنع عين الإبل أن يدخل مرحلة الإنتاج في 2015... نتائج دراسات المركز العمومي المتخصص "CETIM" تؤيّد تجسيد مصنع عين الإبل في سنة 2008، قام "مركز الدراسات والخدمات التكنولوجية لصناعة مواد البناء –CETIM"، شركة مساهمة تابعة لمجمع جيكا، بإنجاز دراسة التأثير البيئية والاجتماعية لمصنع الإسمنت عين الإبل. وقد تضمنت تلك الدراسة دعوة ضمنية إلى ضرورة تجسيد مصنع الإسمنت عين الإبل بولاية الجلفة، وهذا من خلال توقعات تطور الطلب على الإسمنت بالسوق الجزائرية خلال 09 سنوات أي من سنة 2007 الى غاية سنة 2015. وقد عزا ذات المركز الارتفاع المتوقع في الطلب على الإسمنت بالجزائر إلى المشاريع الضخمة التي أعلنت عنها الحكومة والتي تسببت في ارتفاع الطلب بنسبة لا تقل عن 10% ابتداء من سنة 2005 وأكثر من 13% بعد 2008. ونتيجة لحجم الطلب الكبير مقابل الإنتاج المحلي من مادة الإسمنت، فقد جاءت أرقام مركز الدراسات العمومي "CETIM" في صالح ضرورة الإسراع في تجسيد مصنع عين الإبل خصوصا وأن الهوّة قد بدأت تتسع بين الطلب والإنتاج المحلي من الإسمنت. اذ ينتقل هذا الفارق من -0.6 مليون طن سنة 2007 الى -9.20 مليون طن سنة 2015، وهي الكمية التي يستطيع مصنع الإسمنت بعين الإبل أن يقلّص من ثلثها (33%) لو افتتح سنة 2015 مثلما كان متوقعا وبطاقة إنتاجية تتجاوز 03 ملايين طن سنويا.
فاتورة استيراد الإسمنت لسنة 2013 حسب الجمارك... 369.59 مليون دولار !! رغم هامش الخطأ المرتفع نوعا ما في توقعات مركز "CETIM" لتطور طلب السوق الجزائرية على الإسمنت مقابل الإنتاج المحلي، الا أنه كان هناك اتفاق حول ضرورة انعاش الإنتاج المحلي من الإسمنت عن طريق تجسيد جميع مشاريع الشراكة أو الخوصصة التي تم اطلاقها سنة 2006 مثلما كان الأمر عليه مع الخوصصة الكاملة لمشروع ولاية الجلفة بنسبة 100% أو الشراكة مع الأجانب بنسبة 35% في مصانع الإسمنت بسور الغزلان، سكيكدة (شريك ايطالي بوزي أونيسام)، بني صاف (مجمّع فرعون السعودي)، البليدة، معسكر "عقّاز" (لافارج الفرنسية)، معسكر "زهانة" (أسيك سيمنت المصرية). ونتيجة لارتفاع الطلب على الإسمنت تم امضاء عقد نجاعة في ماي 2013 بين كل من وزارة الصناعة والاستثمار، في عهد "الشريف رحماني"، والمجمع الصناعي "جيكا" وهذا من أجل انجاز مصانع اسمنت جديدة ورفع قدرة انتاج المصانع العمومية. وقد كان الهدف المسطّر تحقيق إنتاج وطني من الإسمنت يصل الى 20 مليون طن سنويا في 2016 ثم 29 مليون طن سنة 2018. من جهة أخرى، جاءت احصائيات المركز الوطني للمعلومات والإحصائيات، التابع للجمارك الجزائرية، لتؤكّد فكرة أن بعث صناعة وطنية للإسمنت يجب أن تتم بجدّية وبعيدا عن كل الحسابات السياسية نظرا لارتفاع فاتورة الاستيراد ووصولها الى حدود 369.59 مليون دولار أمريكي. وحسب ذات المركز، نقلا عن وكالة الأنباء الجزائرية، فان الجزائر قد استوردت سنة 2012 (11 شهرا الأولى) كمية من الإسمنت تقدّر ب 2.563 مليون طن بكلفة 231.74 مليون دولار لتتضاعف هذه الكمية سنة 2013 (11 شهرا الأولى) بنسبة 60% وتصل الى 4.109 مليون طن بفاتورة استيراد قدّرت ب 369.59 مليون دولار. كما نقل ذات المصدر أيضا أن الإنتاج الحالي للإسمنت في الجزائر يقدّر ب 18 مليون طن يتم انتاج 11.5 مليون طن منها من طرف مصانع الإسمنت العمومية ال 12 التابعة لمجمّع جيكا، في حين قدّرت الطلبيات الوطنية على الإسمنت سنة 2013 ب 23 مليون طن أي أن الفارق هو 05 ملايين طن. بقي في الأخير القول أن التوقعات والأرقام الرسمية السالفة الذكر قد أثبتت كلها الجدوى الاقتصادية لمصنع الإسمنت بعين الإبل لا سيما وأن الحكومة الجزائرية تحوز نسبة 49% منه. كما أن هناك جانبا مهما ينبغي الإشارة اليه، ويتعلق الأمر بمختلف الدراسات والرخص والمراسيم التنفيذية والإجراءات والمراحل الإدارية التي استوفاها مصنع الإسمنت بعين الإبل والتي تجعل منه محل جذب للمستثمرين الأجانب والمحليين ... وهذا ما سيكون موضوع الجزء الرابع من هذا التحقيق بحول الله.