عاد المدير العام الأسبق ل «الشعب» محمد بن زغيبة،في حوار خص به «الشعب»، إلى أبرز المحطات التي تزامنت وفترة إشرافه عليها، ولعل أبرزها عملية الطبع في قسنطينة ووهران، والطباعة بالألوان، ولم يفوت المناسبة ليشير إلى إسهامها الكبير في إنشاء التعددية الإعلامية وبعثها، حيث طبعت على ماكناتها الجرائد الأولى التي ظهرت في التعددية نتيجة الانفتاح السياسي والإعلامي. وبرأيه لابد من منظور وطني شامل للإعلام، لاسيما في ظل التحديات الراهنة على اعتبار أنه عنصر أساسي في الأخذ بيد الأمة نحو المستقبل في ظل التحديات الراهنة، ويعد بمختلف أشكاله مكتوب ومرئي ومسموع والالكتروني بمثابة صمام الأمان. «الشعب»: في ذكرى تأسيس «الشعب»، وفي خضم تطور قطاع الإعلام والتحولات التي تعيشها، ما هو موقع الجريدة بين الأمس واليوم؟ محمد بن زغيبة: ذكرى تأسيس جريدة «الشعب» الغراء، ذكرى جليلة وبالعودة إلى هذه الذاكرة الغالية في نفوس الجزائريين عموما، والصحافة الوطنية على وجه الخصوص، أتشرف أولا بالمشاركة في هذا اليوم، وأنا أحد الصحافيين الجزائريين الذين تشرفوا بالانتساب إلى هذا العنوان في مرحلة من مراحله، جريدة «الشعب عزيزة جدا، لها معنى ومغزى في وجداني وكنت من قرائها قبل الانتماء إليها. كما تعلمون أطلق هذا العنوان على جريدة «الشعب» مطلع الستينيات، انبثقت من بوتقة الثورة والاستقلال في نفس الوقت، أثناء الثورة كانت جريدة «المجاهد» الناطقة باسم جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، ثم بعد ذلك جاءت جريدة «الشعب» بعد أن نال الشعب استقلاله في العام 1962، مسيرة الجريدة منذ ذلك الحين إلى اليوم مسيرة طويلة تعاقب عليها أجيال كثيرة، وفي الواقع النظام السياسي الذي تأسس بعد الاستقلال كان نظاما ذا حزب واحد، وقد يكون ذلك للضرورة في ذلك الوقت، و«الشعب» كانت هي المنبر الذي عبر منه الوطنيون الجزائريون المخلصون لوطنهم، للتعبير عن الفكر السياسي والثقافي غداة الاستقلال طيلة الستينيات والسبعينيات، والجريدة برجالها والذين عملوا فيها، والأقلام المهمة التي اشتغلت في ذلك الوقت شاركت في كثير من النقاشات السياسية والثقافية والاجتماعية في دارت خلال نفس الفترة، كان لها صوت وكانت الجريدة التي تصدر باللغة العربية، وتقابلها يومية «المجاهدة» التي تصدر باللغة الفرنسية، وكانت منبرا للتعبير عن الأفكار وعن صراع الأفكار الذي يعتبر ظاهرة صحية، وذلك في عدة مسائل منها التربية والتعليم، والشعب كانت منبرا واستطاعت أن تكون بوتقة لها. وخلال مناقشات «الميثاق الوطني» في العام 1976، شاركت الجريدة مشاركة كبيرة جدا وقيمة، بفتح صفحاتها على جميع الأفكار والآراء في ذلك الوقت، واستمر الأمر على ذلك، وفي كثير من الأحيان كان النظام السياسي يحتوي ويحسم الموقف في الأخير في كثير من الأحيان في عدة مجالات منها التربية والتعليم والصحة، كان هناك ثراء كبيرا بالفكر رغم الحزب الواحد، وأتذكر في هذا السياق نقاش ساخن جدا دار بين مصطفى لشرف وزيرا آنذاك وكذا الدكتور عبد الله شريط عالم من علماء الاجتماع، ومولود قاسم وزير التعليم الأصلي حول مضمون برامج التربية والتعليم. شغلت منصب المدير العام ل «الشعب» في مرحلة هامة حدثنا عن تلك الفترة؟ جئت إلى «الشعب» وشغلت منصب مدير عام آنذاك، قادما إليها من وكالة الأنباء الجزائرية بعد تجربة طويلة بها كللت بشغلي منصب مدير عام أيضا، تعلمت خلالها مهنة الصحافة والسبق الإعلامي والتحرير والترجمة لاسيما خطب الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، كما تكونت خلال المهمات في الداخل والخارج، إضافة إلى ترأسي مكتب الوكالة بالقاهرة في وقت سابق وتحديدا في الفترة الممتدة بين 1977 و 1980، كلها عوامل صقلت قريحتي ، وغرست في شخصي المهنية. عينت في 1986 على رأس وكالة الأنباء الجزائرية بالنيابة، ثم دعيت في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وتحديدا في العام 1987 إلى إدارة مؤسسة «الشعب» التي كانت تضم 4 عناوين، يوميتان «الشعب» و»المساء»، وأسبوعيتان «أضواء» سياسية واجتماعية و»المنتخب» رياضية، كانت مؤسسة إعلامية ضخمة. وتعييني كان من أجل إعطاء دفع جديد للمؤسسة في ذلك الوقت، وفي الحقيقة بذلت ما استطعت من الجهد من أجل تطوير الجريدة، وحل المشاكل المهنية التي كانت عالقة بالنسبة للصحافيين، وبالنسبة للمسائل التقنية التي كانت تتعلق بالطباعة وغيرها، كما نظمنا الجهاز الإداري، بشكل يقدم خدماته لتطوير الجريدة والإعلام. ولعل أهم ما تم القيام به الزيادة في عدد صفحات الجريدة الذي ارتفع إلى 32 صفحة، كما نظمنا تبويب الجريدة من خلال إصدار ملفات يومية للرأي العام، موزعة على أربع صفحات يوم للنقاشات الحرة، وقسم للاقتصاد وبالمناسبة أنا من أسس قسم اقتصادي قائم بذاته في الجريدة، ووظفت خريجي كلية الاقتصاد من أجل ذلك. من الناحية التقنية زاد عدد السحب مرتفعا إلى 130 ألف نسخة، وتزامن ذلك مع طبع الجريدة بالألوان لأول مرة في العام 1988، كما تم الاستثمار من خلال مطبعة «الشعب» التي باتت تطبع في ولايتي قسنطينة ووهران في آن واحد مع العاصمة للمرة الأولى كذلك، بعد اقتناء جهاز «البراس فاكس» بالمقر المركزي الكائن آنذاك بحسين داي، بعدما كانت لا توزع بها. كيف عايشت «الشعب «مرحلة التعددية، وهل كانت المنافسة صعبة؟ دستور 1989 ، الذي جاء بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 التي كانت فاصلة في الموضوع سياسيا واقتصاديا أو اجتماعيا، كرس التعددية السياسية والإعلامية ، أيامها كنت على رأس جريدة «الشعب» ومع الحكومة بقيادة مولود حمروش فكرنا في إطلاق العنان للصحافيين الجزائريين، من أجل أن يؤسسوا مؤسسات إعلامية خاصة حرة، ذات فكر وطني حر لأن المدافع عن مصالح الشعب هي النخب، لأنها تطرح قضايا الأمة ومصيرها، كما أن الدولة لا تقاد بالعوام وإنما بالنخب الثقافية والفكرية. ووقع حمروش تعليمة تمكن الصحافيين من تأسيس مؤسساتهم الخاصة، ووجدنا صيغة للدعم الموجه لهم، وقد لأنني عايشت تجربة الانفتاح الإعلامي في مصر، اعتمدنا على نفس الطريقة والمتمثلة في تقديم رواتب مسبقة للصحافيين لمدة سنتين، مع العلم أن مصر منحت مرتبات سنة واحدة فقط لإعلامييها، وأنا شخصيا كان لي شرف التوقيع على جميع القرارات المتعلقة بخروج الصحافيين من القطاع العام وتحديدا «الشعب»، إلى الخاص بتأسيس مؤسساتهم الخاصة. وقدمت الدولة دعما كبيرا لإطلاق القطاع الإعلامي الخاص، فكانت يومية «الخبر» و«الوطن» و«لوسوار دالجيري»، وجريدة «الشعب» ساهمت إسهاما كبيرة في إنشاء التعددية الإعلامية وبعثها، حيث طبعت على ماكناتها الجرائد الأولى التي ظهرت في التعددية نتيجة الانفتاح السياسي والإعلامي، منها جريدة «ألجي ربيبلوكان» عن اليسار الجزائري، و»لوسوار دالجيري»، و«جون أنديبون». ولعل ميزة الانفتاح، أنه كان بداية طريق لجميع المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك التي كانت موجودة من قبل أي الإعلام العمومي، بفتحه باب المنافسة على مصراعيه، ولم تعان منها بل على العكس أعطتها دفعا، لاسيما وأن الصحافة الخاصة كانت تعاني في بدايتها من رواسب الفكر الأحادي، ومازالت عملية بناء الإعلام الخاص مازالت مستمرة. أما المرحلة الموالية فتم خلالها تصفية المؤسسة الإعلامية، وأخذت منها آلات الطباعة، وباتت الجريدة تابعة لحزب جبهة التحرير الوطني، قبل استعادتها من قبل الدولة بعدما أسس عبد الحميد مهري جريدة خاصة بالحزب لدى إشرافه على تسيير شؤون. ما مدى نجاح يومية «الشعب» في مرافقة مسار الدولة الجزائرية بمختلف مراحله؟ الصحافة الجزائرية في عمومها، كانت تشارك بآرائها وأفكارها، وتنقل الوقائع الوطنية، وتساهم في بناء الدولة الجزائرية، الصحافة الجزائرية كانت جزء لا يتجزأ من «الشعب» وقواه الوطنية في بناء الدولة والأمة، الأمر لا يتعلق بحكومة أو وزارة وإنما يتعلق بجميع مكونات الأمة الجزائرية، التي تساهم كلها في العملية بما في ذلك الصحافة. وقد ساهم الصحافيين الجزائريين في بناء دولتهم، نحن نعتبر ثاني جيل تقريبا بعد الاستقلال في المهنة، بعد جيل أول مكون في أغلبيته من المجاهدين أثناء الثورة، وكانوا قيادات فكرية وثقافية مهاجرة في الخارج في تونس أو المغرب أو المشرق، وحتى في أوروبا وكانوا يساهمون في بناء دولتهم، وهذا هو الشرف العظيم الذي حصلنا عليه بعد الاستقلال. ما مدى مرافقة الإعلام اليوم على ثرائه وتنوعه للتحولات التي تعيشها الجزائر؟ بعد التسعينيات وتحديدا دستور 1989 الذي كان فاصلا بفتح باب التعددية السياسية والإعلامية، فاتحا المجال أمام الأحزاب السياسية والإعلام الحر الخاص، تعددت المنابر الإعلامية والأفكار اختلفت أكثر مما كانت مختلفة في الماضي، هناك ثراء إعلامي لا مفر منه، لكن فيه الكثير من الشوائب التي علقت بهذا الثراء والتنوع ألا وهو الربح، المؤسسة الإعلامية اليوم مطروح عليها سؤال: هل هي مؤسسة إعلامية أم مؤسسة تجارية؟ أم الاثنين معا؟ سؤال رهيب مطروح الآن. في بداية التسعينيات كانت الانطلاقة صحيحة إلى حد ما، لأن جميع الصحافيين العاملين في الجزائر في ذلك الوقت الذين كانوا يشتغلون في القطاع العمومي في عهد الحزب الواحد، هم مؤسسو الحركة الإعلامية التعددية، ما يفسر المهنية التي كانت ميزة الإعلام في ذلك الوقت، الآن المقايضة بين حرية التعبير والطابع التجاري خطيرة جدا على الفكر وعلى التعبير الحر عن الرأي، هذا الصدام ما بين المادة وما بين الرأي أهم إشكال يطرح اليوم، أما التحدي المطروح أن تضمن المؤسسة الإعلامية مصداقيتها لدى الرأي العام بالدفاع عن قيم حرية الرأي وهي الأساس. كيف ينجح الإعلام اليوم في أداء المهام التي تقع على عاتقه؟ الإعلام ينجح من خلال القيام بمهامه الأصلية ممثلة في تقديم الخدمة العمومية، لابد أن نعي أهمية الإعلام الوطني الحر المنظم والمسؤول، ولن يتم ذلك إلا من خلال منظور وطني شامل لأجهزة الإعلام في القطاعين العمومي والخاص، في ظل التحديات الراهنة عنصر أساسي في الأخذ بيد الأمة نحو المستقبل. أؤكد على هذه النقطة، فبغض النظر عن جميع الاختلافات على المستوى السياسي بين الأحزاب، يبقى الإعلام بمختلف أشكاله مكتوب ومرئي ومسموع والالكتروني صمام الأمان.