شكّلت جريدة «الشعب» مرجعا للعديد من الطلبة والباحثين، ما يعكس مكانتها بين الصحف نظرا لرسالتها الإعلامية الهادفة فضلا عن محتواها الغني بمختلف المواضيع الجادة، تمس مختلف جوانب الحياة وخطّها الافتتاحي الذي التزمت به منذ تأسيسها سنة 1962 دون أن تنحرف أو تحيد عنه، كما أنّها تعتمد الموضوعية في طرح القضايا باعتبارها جريدة وطنية عريقة لها تاريخ. يتّفق الجميع على أنّ يومية «الشعب» هي أمّ الجرائد الجزائرية ومدرسة التكوين والإعلام تحترم خطها الافتتاحي ولا تعتمد التهويل والإثارة في طرح القضايا الوطنية، بل للخبر الصّحيح الدقيق والموجّه. هذا ما أكّده الاستاذ الجامعي وعميد كلية علوم الاعلام والاتصال أحمد حمدي في تصريح ل «الشعب» بمناسبة الذكرى ال 55 لتأسيسها قائلا إنّ اختيار يومية «الشعب» يرجع لمبادرات الطلبة الذين قاموا بدراسة مختلف القضايا التي تطرح بالجريدة، ثم يأتي توجيه الاساتذة والمشرفون نحو المواضيع الهامة التي طرحت بالجريدة، لهذا يحث الأساتذة الطلبة على دراسة وسائل الاعلام الجزائرية خاصة ذات الصدى التاريخي والرزانة العلمية. في هذا المضمار أشار حمدي إلى أنّ اختيار الجرائد الوطنية تدخل في اطار التوجه العام للكلية، وهو دراسة الاعلام الجزائري بمختلف مؤسساته وتياراته بهدف تفتح الجامعة على المؤسسات الإعلامية والاقتصادية، مؤكدا أن الجامعة تشهد إنتاج لا بأس به في هذا المجال من خلال الأطروحات التي تتناول الإعلام الجزائري خاصة ما تعلق بالأمور التاريخية للجريدة وجمهورها، واهتمامات قراءها وكذا كيفية تلقيهم للمعلومات. اعتبر عميد كلية علوم الإعلام والاتصال، يومية «الشعب» مرجعا مهما في الدراسات، وحسبه فإنه لا يمكن القيام بدراسة الإعلام الجزائري دون الرجوع الى هذه الجريدة الوطنية الناطقة بالعربية، وتقابلها جريدة «المجاهد» باللغة الفرنسية، مضيفا أن الطالب حين يقدم بحثه ينبغي أن يستهله بعرض ولو جانب بسيط من تاريخ المؤسسة التي سيعرفها. وقال أيضا أنّ الطلبة توصّلوا إلى العديد من التوصيات يمكن أن تستفيد منها المؤسسات الاعلامية خاصة فيما يتعلق بالجمهور، مشيرا إلى أن هناك وسائل الاعلام ذات تأثير كبير وأخرى ذات انتشار بينما جريدة «الشعب» تشمل الإثنين تقريبا، لها مصداقية في تناول الأخبار لأن الفاعلين والخبراء يتلقون معلوماتهم من «الشعب» بالعربية أو «المجاهد» بالفرنسية، كما أن لها انتشار داخل جمهور معين ولها تأثير. يرى الأستاذ حمدي أنّه يمكن ليومية «الشعب» أن توسع في مجال المواقع الالكترونية بحكم أن هذه الأخيرة تلعب دورا كبيرا في انتشار الجريدة. من جهتها، قدّمت الدكتوراة مليكة عطوي، إحصائيات عن مواضيع المذكرات التي تطرّقت إليها يومية «الشعب»، وهي الاتحاد المغاربي، تكاليف صناعة الصحافة وأثرها على أداء المؤسسات، استيراتيجيات القائم بالاتصال، المعالجة الإعلامية للأزمة المالية: دراسة تحليلية، وموضوع العلاقات الجزائرية - الفرنسية . قالت البروفيسور أيت عيسى فريدة أستاذة في تاريخ الإعلام والاتصال، أن يومية «الشعب» وطنية لها تاريخ كبير موجودة قبل الاستقلال تتناول موضوعات متعددة تندرج في التاريخ، والموضوعات الجديدة من التكنولوجيات الجديدة، لذا فالطالب يهتم بها كالجرائد الأخرى، مضيفة أن الجريدة هي واجهة ونموذج لما كان موجود في الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية التعددية، تتسم بالهدوء والنظام وتحترم الخطوط العريضة التي تجمع ما نسميه الوطن. وحسب البروفيسور أيت عيسى، فإنّ تحسن يومية «الشعب» بشكل خاص والجرائد الأخرى بشكل عام يجب أن يكون فيه نوع من الحرية في التعبير والانفتاح، ولا يكون تضييق لترك المواطن يشارك بأفكاره ويقدم الأفضل، وبالتالي الإرتقاء بالعمل الإعلامي قائلة: «الحرية المطلقة أيضا لا تفيد كون الانسان الجزائري ما يزال لا يعرف معنى الانضباط والمسؤولية والوطن والقانون». بالمقابل، قام الطالب غانم بوذن بقسم التاريخ بإعداد دراسة الماجستير حول موضوع الحياة الفكرية والثقافية في الجزائر من 1962 إلى 1972 من خلال جريدة «الشعب»، تحت إشراف الأستاذ باحث في تاريخ الجزائر المعاصر مصطفى نويصر، الذي وجّه الطالب إلى هذه الدراسة قصد معرفة السنوات الأولى للاستقلال في تيار العروبة، لأنّ «الشعب» كانت الجريدة الوحيدة المعرّبة في الجزائر المستقلة، وكذا التعرف على الجيل الأول المؤسس والذي كتب في العشرية الأولى للإستقلال، والجو الفكري والسياسي والاقتصادي السائد آنذاك، كما أن الجريدة استقطبت كل الأقلام العربية التي تدافع عن المقومات الشخصية، قال الباحث الجامعي. في هذا السياق، أشار الأستاذ نويصر إلى أنّ «الشعب» تعتبر مصدر في تلك الفترة ومرجع للباحثين والطلبة، بحيث كانت في فترة ما رمزا للنضال الوطني، وحسبه ينبغي إبراز شعار جريدة «الشعب» . موازاة مع ذلك، أشاد الباحث والأستاذ الجامعي محمد لحسن زغيدي، بتاريخ يومية «الشعب» الذي يحمل ثلاث أبعاد أساسية، وهي البعد النضالي في المدرسة الوطنية للحركة الثورية الجزائرية، لأنها أول ما تأسّست كلسان رسمي لحزب الشعب الجزائري، كما تحمل دلالات ثورية في كونها إختارت يوم تأسيسها يوم إعلان إنتفاضة الشعب في ديسمبر 1960. وقال أيضا أنّ الجريدة أخذت اسم الشعب لتكون منبرا حقيقيا ولسانا واقعيا لرأي الشعب، لذلك فهي تعبر شكلا وإسما ومضمونا عن البعد النضالي والثوري والوطني ل «الشعب»، مشيرا إلى أنّها مدرسة الأجيال والشعب ورمزية لنضال وتاريخ وثورة هذا الشعب. فخامة الاسم تكفي...تروي عطش متتبّعي الأخبار بمعلومات وطنية وعالمية تقول الطالبة شيراز طه أنّ أسباب اختيارها لجريدة «الشعب» كموضوع بحث هو وجودها الضارب في تاريخ الصحافة الجزائرية، وسجلها العريق الذي جمع و لازال يجمع نخبة من أعرق الأسماء الأدبية في الجزائر فحسبها أن «الشعب» ليست وليدة اليوم أو سنوات قليلة ولّت، وإنّما هي وليدة نصف قرن وأكثر، قائلة: «فخامة الاسم تكفي إذ أنّ في الشعب تاريخ، نضال، جهاد، استقلال، كيان، وحدة الشعب الجزائري واشتراكه في الرأي والمصير». وأضافت أن «الشعب» روضُ فتحت أبوابها منذ تأسيسها لكل الأقلام أين كتبت فيها أسماء هي للآن عريقة كعز الدين ميهوبي، رشيد بوجدرة والطاهر وطار فاستحقت بحق أن تكون مشتلة الأدب الجزائري، كما أنها واضحة المعالم والآراء والأهداف البعيدة عن المغالاة أوالمحاباة أو زرع الفتن بغية جلب أكبر عدد من القراء، منوّهة برئيس تحرير الجريدة المثقف والشاعر الذي حسبها يجمع بين الحداثة والعراقة قائلة: «هو بالفعل إضافة للجريدة، فهو يعطي لمحة ولو بسيطة عن الطاقم أجمع». مرّت 55 سنة من الإبداع والتألق في مجال العمل الصحفي الرصين، لتغرس جريدة «الشعب» جذورها في عالم الصحافة، وتثبت أنها صحيفة جزائرية بامتياز، تنقل نبض الشارع وهموم المواطن، ولتواكب الحدث السياسي وترصده أينما حلت. هذا ما أكدته الأستاذة تقية فرحي، طالبة دكتوراه سنة خامسة تخصص صحافة مكتوبةبكلية الإعلام والإتصال. مضيفة أنّ «الشعب» هي الجريدة الوطنية التي تعمل على رصّ الصفوف ونبذ كل ما من شأنه زرع التفرقة بين أبناء هذا الوطن، وأوجدت لها بصمة في ظل التطور والمنافسة القوية بين الصحف المحلية، وحسبها فإن العطاء والصمود يجب أن يتواصل ليكون منبراً حقيقاً للصحافة الوطنية. تناولت الأستاذة في أطروحة الدكتوراة تعامل الصحافة المكتوبة الجزائرية مع الأزمات الأمنية - أزمتي غرداية وتقنتورين أنموذجا - دراسة تحليلية مقارنة للصحف اليومية، بحيث اختارت جريدة «الشعب» كمجتمع للدراسة لأسباب موضوعية، وبهدف تمثيل الصحف العمومية في الجزائر في تغطيتها للأزمات الأمنية من حيث الموضوعية والحيادية، باعتبار «الشعب» أول يومية جزائرية تابعة للدولة والناطقة باللغة العربية، وجريدة وطنية تهتم بشؤون القطر الجزائري كافة، ولها ضلوع كبير في تغطية الأحداث الوطنية باحترافية كبيرة، بشهادة عديد الأساتذة والأكاديميين في الإعلاميين إضافة إلى مقروئيتها وانتشارها الكبير. وبخصوص الأرشيف المتحصل عليه من قبل جريدة «الشعب»، قالت فرحي أنها تمكنت من التحصل على المواد الإعلامية الكافية لعينة الدراسة بما يخدم أهداف البحث، بحيث تناولت خمسة أشهر كاملة (من جانفي إلى ماي 2013) بالنسبة لأزمة تقنتورين، و(من جانفي إلى ماي 2014) بالنسبة لغرداية، كل هذه الأشهر بأعدادها مجتمعة تمت دراستها من خلال منهج تحليل المضمون. في هذا الصدد، نوّهت الأستاذة فرحي وزميلها الدكتور محمد أمين عبادنة بالطاقم الصحفي للجريدة وعلى رأسهم رئيس التحرير نور الدين لعراجي، الذي سهّل لهم الحصول على الأرشيف الورقي، مشيرة إلى إحترافية الطاقم الصحفي، متمنين لها التألق والازدهار، وهي تدخل عامها الخامس والخمسون. لكنها استطردت قائلة: «العائق الوحيد التي اعترضنا هو بعض الملفات pdf التي تحصلنا عليها لا تعمل لأسباب تقنية، والمشكل نفسه مع الأعداد التي حملناها من الموقع. كما تجدر الإشارة إلى أن أرشيف الجريدة على موقعها ناقص، أو هناك أعداد مسحوبة من الموقع، وبعض الأعداد موجودة لكن لا يمكن تحميلها». أمال بن عبد الله وزميلتها يامنة يوسفي اختارتا جريدة «الشعب» كنموذج للبحث بعنوان: «الصحافة الجزائرية العمومية نموذج جريدة الشعب العريقة»، بحيث أوصفت أمال يومية «الشعب» بأنها جريدة تروي عطش متتبعي الأخبار بمعلومات وطنية وعالمية، لتقلص لنا العالم في صفحات معدودة وتطلعنا على ما يجري حولنا من أحداث تهمنا، وتهتم بمصلحة المجتمع من نواحيه المختلفة، لتصبح الآن المعلم الذي كثر منه أعين القراء كل يوم وتجعل منها عنصرا أساسيا وجزءا لا يتجزأ من شخصية محبي الثقافة الخاصة، أضافت تقول. اعتبرت آمال جريدة «الشعب» مدرسة إعلامية كونت العديد من الصحف، واحتضنت العديد من الكتاب والشعراء وكبار الشخصيات منهم من ارتقى إلى أعلى مستويات وأحيت اللغة العربية، كما أنها تعتمد على نقل الخبر بمصداقية ونزاهة، والقدرة على تحمل الخدمة الإعلامية العمومية في أحلك الظروف، والقدرة على مواكبة كل التحولات التي عرفتها الجزائر. في هذا الشأن أبرزت الطالبة الدور المهم لصحيفة «الشعب» في تنمية الصحيفة الأدبية والثقافية في الجزائر ما بعد الإستقلال، والتركيز على خدمة المواطن ومساندة المظلومين ومناصرة القضايا العادلة، وقدرتها على الانتقال إلى مرحلة الإعلام الإلكتروني. ومن محاسن الصّدف أن الصحفية حياة كبياش، أعدّت مذكرة التخرج في شهادة الليسانس سنة 1994 حول التغطية الإعلامية للنشاط المسرحي من خلال جريدة «الشعب»، وهي دراسة تحليلية لتجد نفسها تعمل بالجريدة، بحيث خلصت إلى أنّ الجريدة تميزت بمقالات تحليلية ونقدية بإمتياز تترجم احترافية الجريدة والتخصص آنذاك، بحكم أن العاملين في القسم الثقافي كانوا متمكنين ولديهم ثقافة.