أكد أمس الأستاذ مصطفى صايج أن الدول الكبرى تراهن على تجزئة وتفكيك الدول الافريقية من أجل المصلحة الذاتية والمراهنة على الموارد الحيوية في المنطقة مثلما هو عليه الحال في منطقة الساحل الافريقي. وأوضح صايج لدى تدخله أمس في مركز الدراسات الاستراتيجية «للشعب» الذي نظم ندوة فكرية حول التنمية والأمن الافريقي أن التجزئة أصبحت السمة الاساسية التي تطبع القارة الافريقية وكأنها قدر محتوم غذتها النزاعات الاثنية والحروب الأهلية الداخلية وخلفت ضحايا من المجتمع المدني بنسبة أصبحت تتعدى 80٪ من العدد الاجمالي للضحايا. وسجل المحاضر أن مرحلة النزاعات الداخلية عرفت تطورا كبيرا خلال فترة التحول الديمقراطي التي ميزت القارة خلال العشرية الماضية وكانت من بين أهم اسبابها العوامل الاقتصادية وبرامج اعادة الاصلاح الهيكلي التي مست العديد من دول القارة بما فيها الجزائر. ويعتبر الأستاذ أن الجزائر وعلى غرار العديد من الدول الافريقية وقعت ضحية للمؤسسات المالية الدولية التي فرضت عليها سياسة اقتصادية تقشفية وكانت من بين أحد الأسباب الرئيسية في تغذية الاضطرابات الاجتماعية بفعل الشروط القاسية للاتفاقيات المبرمة، وما نجم عنها من تدهور الأوضاع دون أن تكون لهذه السياسة انعكاسات مباشرة على النمو والتنمية. وأسهب المحاضر في طرحه لمشاكل القارة وخاصة النزاعات الافريقية وأرجعها إلى العوامل الاثنية و القبلية التي أدت إلى بروز الابادات الجماعية كما حدث في رواندا، منتصف التسعينات، واصفا ما جرى بأنه يمثل نموذجا للدولة المنهارة، مثلها مثل الصومال التي تميزت بعودة القرصنة فيها في زمن العولمة. وعندما يعود الأستاذ صايج إلى أسباب تخلف التنمية في افريقيا ومختلف المشاكل التي لا تزال تتخبط فيها، فإنه يفضل أن يرجعها إلى ما وصفه بالدور الخارجي في تغذية الصراعات الداخلية بحثا عن المصلحة الذاتية وعلى السيطرة على الموارد الهامة التي تتوفر عليها القارة، ويستدل بذلك على بعض الاحصائيات التي تشير إلى أنه من بين الستة الدول الافريقية الغنية بالماس، توجد ثلاثة منها في حروب أهلية. افريقيا لا تتحكم في مصيرها والمخلفات الاستعمارية لاتزال تلاحق القارة وتغذي القبلية والاثنية وكل الاحقاد والهدف هو مزيدا من السيطرة للاستحواث على الموارد الطبيعية، وفي هذا الصدد تساءل المحاضر عن دوافع عملية الاختطاف الأخيرة التي شهدتها إحدى دول منطقة الساحل الافريقي وعلاقة ذلك بشركة النفط الفرنسية «أريفا» التي يعمل فيها المختطفون، مشيرا إلى أن المستعمر عادة ما يحاول الرهان على مصالحه مع مجموعة من القبائل. وفي هذا الإطار أثار المتدخل عنصرا هاما ضمن الرهانات والتحديات التي تواجه القارة عموما ومنطقة الساحل على وجه التحديد، ويتمثل في رفض القوى الخارجية لكل السياسات التي تؤدي إلى تهدئة واستقرار الوضع في افريقيا التي عارضت إتمام مسار المصالحة الذي رعته الجزائر في سنة 2006. فالقارة الافريقية من وجهة نظر الأستاذ صايج هي عبارة عن مجموعة رهانات، ولكن ايضا طاقات هائلة غير مستغلة لتنمية شعوب المنطقة، لذا فإن مفهوم التنمية بها أصبح عائقا في التعامل مع الآخر مثلما يؤكد المتدخل، الذي أشار إلى وجود نموذجان الأول ويستند إلى حرية الاقتصاد أو ما وصفه بالمقاربة الليبيرالية والتي اعتبر أنها افسلت في نهاية المطاف بعد الوصفات التي كان صندوق النقد الدولي يفرضها على بعض الدول، وأثبتت محدوديتها. أما النموذج الثاني وهو الأخطر بالنسبة للأستاذ صايح فيعود إلى الاثنية الواقعية أي إعطاء كل قبيلة دولتها وهي مسألة خطيرة وتندرج ضمن سياسة «فرق تسد». النموذجان أثبتا فشلهما، ولهذا يقترح المحاضر دعم فكرة «النيباد» التي طرحتها الجزائر إلى جانب مجموعة من رؤساء بعض الدول الافريقية، وبذلت ولا تزال تبذل بشأنها جهودا كبيرة كخيار تنموي لا بديل عنه لتحقيق الأمن والسلم والتنمية في المنطقة.