مقابل الشّرط الذي وضعه رئيس السلطة الفلسطينية »محمود عباس« لاستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين والمتمثل في وقف الإستيطان، وضع هؤلاء شرطا عجيبا وغريبا يعكس عنصريتهم وتطرّفهم وتعاليهم ألا وهو الإعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. قد يقلّل البعض من خطورة هذا الشرط، ويعتبره مجرد تكريس لأمر مجسّد في الواقع منذ 1948، لكن الحقيقة أكثر من ذلك، لأنّ الإقرار بيهودية الكيان الصّهيوني يعني إقامة دولة لا يقيم بها غير اليهود بحجّة المحافظة على النّقاء اليهودي، وهذا يقود حتما إلى طرد فلسطيني 48 الذين تشبّتوا بأرضهم ولم يبرحوها رغم سياسة التّطهير العرقي والمذابح والإرهاب الذي طال باقي أفراد الشعب الفلسطيني، وأرغمهم على الفرار بأرواحهم تاركين أراضيهم وبيوتهم ورائهم حاملين مفاتيحها إلى الآن، حيث هم مشرّدين لاجئين ينتظرون يوم العودة الذي لن يأتي أبدا مادامت إسرائيل تصرّ على إقامة الدّولة اليهودية... الصّهاينة الذين يضعون العربة أمام الحصان لعرقلة مسيرة ما يسمى بعملية السلام، يروّجون هذه الأيام ويرافعون من أجل يهودية الدولة، وخطورة تجسيد هذا الهدف لا يكمن في أنه يرمي إلى طرد عرب 48 فقط، بل هدفه الأكبر هو غلق الباب نهائيا أمام عودة اللاّجئين الفلسطينيين بمبرر جديد وهو أنهم غير يهود ولا يدينون بالولاء للدولة الإسرائيلية اليهودية. وقبل الآن كان المبرّرالذي تطرحه إسرائيل لمنع عودتهم أن الرقعة الجغرافية أضيق من أن تتّسع لملايين الفلسطينيين المشرّدين في الشتات والمخيمات. والمفارقة أن الصهاينة الذين يطرحون هذا العذر، يجزمون في المقابل بأن إسرائيل تستوعب كل يهود العالم، وقد استقبلت مليون يهودي روسي خلال عقد واحد من الزمن ووفّرت لهم المسكن والعمل وسبل العيش الرّغد، طبعا فإسرائيل واسعة وستكون أوسع أمام اليهود، أمّا أمام الفلسطينيين فهي ضيقة. إن الشرط الذي يقابل به نتنياهو شرط محمود عباس يعكس الفكر العنصري للصهيونية، ويقود حتما إلى بناء نظام »أبرتايد« جديد، ولست أدري لماذا يلتزم العالم الغربي المتغنّي بالحرية الدينية والتعددية العرقية الصمت، وهو يدرك تمام الإدراك بأنه لو تمّ تطبيق المقاس الذي سيبني الدولة اليهودية، فإن الكثير من الدول ستفكّك، بل سيصبح العالم ساحات للحروب الأهلية والطائفية على اعتبار أن معظم الدول في المعمورة تتميز شعوبها بالتعدّد إمّا العرقي أو الديني أو اللغوي... إسرائيل وبعد أن احتلّت الأرض وبنت الدولة تريد أن تتخلص من عرب 48، الذين تعتبرهم رغم تجنّسهم الإجباري بالجنسية الإسرائيلية قنبلة موقوتة ستنفجر في يوم من الأيام، كما تسعى لسدّ المنافذ أمام أي عودة محتملة للاجئين، وهذه هي الدوافع الحقيقية لإعلان يهودية الدولة وهي سابقة لم يشهدها العالم من قبل، إذ لم يسجل التاريخ المعاصر قيام دولة على أساس ديني... ويبقى على »أبي مازن« أن يوقّف كل اتصال مع غلاّة الأبرتايد الجديد لأنهم لن يمنحوه شيئا، وإذا كان هذا الزمن لايخدم الشرعية وهو في غير صالح الشعوب الضعيفة، فليترك القضية للأجيال القادمة لعلّها تكون أقدر على استعادة الأرض والحقوق كاملة.